• ×

07:20 صباحًا , السبت 20 أبريل 2024

عبدالكريم الجهيمان.. شاعراً

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
بقلم: محمد عبدالرزاق القشعمي

منذ سنوات وأنا أسمع من أستاذي ووالدي الشيخ عبدالكريم بن عبدالعزيز بن صالح الجهيمان أن لديه ديوان شعر مخطوطاً باسم «خفقات قلب» لم يكن الوقت لطبعه وإخراجه، فقلت له: إن الناس يعرفونه صحفياً وتربوياً ومؤلفاً لقصص الأطفال، وجامعاً وناشراً وشارحاً لـ «الأمثال الشعبية» ومثلها سواليف الجدات «الأساطير الشعبية» ورحلاتك «دورة مع الشمس» و«ذكريات باريس» وغيرها أما أن تعرف كشاعر فهذا لا يدركه الجميع!!
في السنوات الخمس الأخيرة وهو على أطراف التسعين من عمره - أمد الله في عمره - أصدر كتابين مهمين الأول «مذكرات وذكريات من يحاتي» والثاني «رسائل لها تاريخ» ففي إحدى اللقاءات معه مؤخراً وبوجود بعض الأصدقاء قلت له: أما زال قلبك خفق؟ فأجاب: أجل فرددت عليه ومتى نرى ونقرأ تلك الخفقات؟ فضحك إذا عرف المقصود وقال: قريباً لا تتعجل علي فقد تقاربت خطاي وضعف نظري وكثر نومي وتعددت برامجي التي أحرص على تنفيذها بكل دقة كالذهاب ضحى كل يوم للسباحة ومثلها مساءً للمشي، وهذه تأخذ من وقتي الكثير.
قلت له هذا لا يعفيك فأنت وعدت بإصدار الديوان منذ سنوات طويلة، وقد سبقك غيرك وأخذ اسم الديوان، فرد قائلاً: ما دام في ذهني اسم الديوان «خفقات قلب» فلن أتركه حتى لو تعددت المسميات الأخرى، ثم إن الخفقات تختلف، فقلبي يخفق بطريقة يختلف بيها عن خفقات قلوبهم.
عدت للعمل وبحثت عمن سبق أبا سهيل أو من سطا على أحد أبنائه إذ إنه منذ أكثر من خمسينعاماً وهو ينوي إصدار الديوان ويؤجله من أجل تهذيبه أو حذف ما لا يصلح له وخلال هذه المدة صدر من الكتب ما يحمل هذا الاسم «خفقات قلب» الكثير أذكر منها:
1 - ديوان شعر «خفقات قلب» لحسين أحمد النجمي - جدة - الدار السعودية 1406هـ - 95 صفحة.
2 - قصة «خفقات قلب» لعبدالحميد جودة السحار - مكتبة مصر - القاهرة - 1401هـ - 173 صفحة.
3 - ديوان شعر «خفقات قلب» عبدالحفيظ صقر - دار النشر - طنطنا - 1407هـ - 143 صفحة.
حتى الآن لم أخبر أبا سهيل بهذا حتى لا أفت في عضده أو يتنازل ويماظل في إصداره رغم أنه يحاول أن يقلل من قيمته إذ إنه قد نظم أو قال هذه القصائد أيام الشباب والفتوة أي منذ خمسين عاماً أو تزيد وأغلبها عندما كان طالباً أو مدرساً بمكة المكرمة قبل سبعين سنة.
وقد ذكر الأستاذ عبدالرحمن العبيد في كتابه «الأدب في الخليج العربي» المطبوع في دمشق قبل 45 عاماً وفي ص49، وضمن ترجمته لعبدالكريم الجهيمان يقول «كاتب كبير» وشاعر مقل، ولد في «القراين» إحدى قرى الوشم بنجد، وتلقى دراسته العلمية في مكة المكرمة، وفي مطلع شبابه جند نفسه جندياً بارعاً في ميدان التعليم، فالتحق بإدارة المعارف وكانت له جهود مشكورة في هذا الحقل.
تتجه ميوله الأدبية للكتابة، وقد برز فيها ككاتب سياسي ولا سيما على صفحات جريدة «أخبار الظهران» التي أنشأها منذ ثلاث سنوات، وهو اليوم مدير لشركة «الخط للطبع والنشر والترجمة بالدمام». له ولع في نظم الشعر ولكنه مقل في هذه الناحية وهو بالإضافة إلى كل هذا محقق نابه، له مؤلفات مطبوعة، ومؤلفات مدرسية أخرى.
أما الأستاذ عبدالله بن إدريس فيقول في كتابه الشهير «شعراء نجد المعاصرون» دراسات ومختارات والمطبوع بمطابع دار الكتاب العربي بمصر عام 1380هـ - 1960م ص169، ط1 وضمن ترجمته لشيخنا الجهيمان: «من الشعراء الذين انتقلوا بالشعر النجدي من العهد الكلاسيكي الميت إلى الطور الرومانتيكي، وكان لا بد - والحالة هذه - أن يحفل شعره بصور مزدوجة ذات سمات مختلفة المعالم، منها ما يشد الشاعر إلى الوراء بوشائج متينة من حيث تغلب العقل فيه على العاطفة فإن الاتجاه الكلاسيكي أو النظرية التعليمية، ومنها ما يند به إلى عالم الخيال المسحور ولكنه ليس خيالاً رومانتيكياً مطلقاً فكثير ما كان يرتطم في جدران الكلاسيكية ذلك الخيال الذي لم ينفلت من ربقة النظرية التعليمية في الشعر بعد، أعني قبل النهضة الأدبية الحديثة في هذه المنطقة والتي لم تتجاوز عشر سنوات فقط.. أمر الملك عبدالعزيز باختيار جملة من الشباب النجديين وألحقوا بالمعهد السعودي بمكة ومن بينهم الشاعر وأخذ شهادة المعهد عام 1351هـ - 1931م.. والأستاذ عبدالكريم إلى جانب إنتاجه الشعري - وهو إنتاج قليل - كاتب اجتماعي له نشاط معروف في هذا المجال تشهد به صحيفتا «اليمامة» و«القصيم» حيث هو أحد أفراد أسرة تحريرهما».
كما نقرأ للدكتور حسن بن فهد الهويمل في كتابه «اتجاهات الشعر المعاصر في نجد» يقول فيه «شاعر آخر يعد من الرواد، هو الشاعر عبدالكريم الجهيمان.. أديب لامع كاتب يتسم بالواقعية الاجتماعية ومؤلف يهتم بالتراث الشعبي واللغة العامية، وما لها من معارف.. أما شعره من حيث الشكل والنسق.. ومن حيث الكلمة وموقعها.. أما من حيث مادته.. وموضوعه فينتمي إلى الأدب الحديث ومعارفه».
والقصائد الواردة في كتاب الزميل ناصر الحميدي «من مذكرات كاتب، لمحات من حياة وأدب عبدالكريم الجهيمان» ط4، بيروت 1420هـ، وتحت عنوان: «خفقات قلب» دراسة في بعض قصائد الجهيمان وأغراض شعره، يورد بعض القصائد، ويذكر في هامش ص122 ما يلي:
«لم أقف على أية قصيدة لأبي سهيل فيما عدا ما قاله بين عامي 1355هـ - 1357هـ أي إنه لم يكتب شعراً من قرابة خمسة وستين عاماً. وهذه القصائد التي أوردها عبدالله بن إدريس في كتابه سالف الذكر «شعراء نجد المعاصرون» والأخرى التي أوردها ناصر الحميدي في كتابه المذكور قالها الجهيمان في فترة شبابه وأثناء تدريسه بالمعهد السعودي بمكة المكرمة، عدا قصيدته «مناجاة نخلة» والتي أوردها ابن إدريس كاملة أما الحميدي فقد اختار منها بعض الأبيات.
وهذه القصيدة لها مناسبة، إذ كان في رحلة إلى أوروبا فشاهد في إيطاليا نخلة فتذكر بلاده فتوقف عندها وأخذ يناجيها ويبثها لواعجه وأشواقه وآهاته، ونختار من تلك القصيدة بعض الأبيات:


رأيتها فذكرت الطلح والبانا=
وكان بي شجن زادته أشجانا
أنستُ لم رأت عيناي طلعتها=
وذكرتني اخواناً وأوطاناً
فأعجبتني بما تبديه من شمم=
اني أحب عزيز النفس ما كانا
ومن يلن لبني الغبراء جانبه=
سقوه من جرعات الجور ألوانا
والحازم الرأي من يجزي مبادئه=
بالشر شرا وبالاحسان احساناً
وليس يصبر للاذلال يدهمه=
الا الذي بات عبدالذل حيرانا
يا نخلة قد سمت في الأفق هامتها=
وارسلت في الهواء الطلق عسبانا
تلين من نسمات الريح قامتها=
والخوص يلقي أغاريداً وألحانا
ترى العسيب يداني خدنه مقه=
كأنما هو يبدي الشوق ولهانا
لا غرو انك عمر الدهر عمتنا=
عشنا واياك احقاباً وازمانا
فاشكي لنا ما لقيت الدهر من عنت=
ونحن نلقي الى شكواك شكوانا

وكأنه يحاكي عبدالرحمن بن معاوية: المعروف بعبدالرحمن الداخل وبصقر قريش، مؤسس الدولة الأموية في الأندلس، وهو يناجي النخلة بعد وصوله الأندلس بقوله:


يا نخل أأنت فريدة مثلي=
في الأرض، نائبة عن الأهل
تبكي، وهل تبكي مكممة=
عجماء لم تجبل على جبلي
ولو انها علقت اذن لبكت=
ماء الفرات ومنبت النخل
لكنها حرمت واخرجني=
بغضي بني العباس عن أهلي

فمن قصيدته بعنوان «آمال نفس» نذكر منها:


يا نفس مالك في دنياي مولية=
لذاتها تخدع الرأي لبلواه
ان اقبلت شغلت أو ادبرت قتلت=
أو سالمت غدرت بالمرء تعاطه
فهي الغرور لهذا الخلق أجمعه=
مثل السراب يفر الشخص مرآه
هذا مصارعها للمغرين بها=
ما عاد ينفعم مال ولاجاه
فأين عاد وفرعون وذو يزن=
وأين قارون أو ما كان يجباه
وأين هارون المأمون أينهموا=
وأين برمكهم يحيى ونجلاه؟!
وأين دهر غدا الحجاج بحكمه=
بالجور حتى يفوت الحصر قتلاه
أين العصور الخوالي أين آهلها=
تتابعوا وغدا كل المثواه
صاروا لما قدموا فالخير مستطر=
والشر مستطر والكل يجزاه
فمن غدا صالحاً فالخلد مسكنه=
ومن غدا ظالما فالنار مأواه
لم يفنهم ما بنوا يوماً وما جمعوا=
ولم يخلصهموا فخر به قاه

ومن قصيدة له بعنوان «سكرة وفكرة» نختار منها الأبيات التالية:


يا بصيراً بنفسه وخبيراً=
با لليالي وما حوت من عجاب
خذ من الدهر ما أتاك به الدهر=
ولا تأس فالدنيا للخراب
وإذا ما صف الزمان فحاذر=
بعد صفو الزمان من كأس صاب
واذا استحكمت صروف الليالي=
فانفراج الأمور عند الصعاب
هذه سنة الحياة قديماً=
وحديثاً بنص آي الكتاب
فاستفق من غرورها وهواها=
واقتف الرشد من ذوي الأباب

ومن قصيدته «وصف صورة» يقول:


يا نفس ان الليالي في تقلبها=
تبلي الجديد وتحني الفاتك الأشرا
وسوف تدركني في الدهر غائلتي=
وانطوي برفاتي في الثرى عمرا
وسوف يصمد رسمي في بساطاته=
على مدى الدهر مزهوا ومنتصرا
يخبر الخلف الباقين عن سلف=
اضحوا رفاته وكانوا مثلهم بشرا
فالجسم يفنى وروح المرء خالدة=
تلقى النعيم بما أسدته أو سقرا
وسوف يذكرنا من سوف يخلفنا=
بما عملناه ان خيراً وان اشرا
فازرع جميلا اذا ما كنت مقتدرا=
فالمرء يحصد في أخراه ما بذرا

وأخيراً قصيدته المتشائمة والمتألمة «أنة غريب..!» والتي قدم لها بقوله:

هذه القصيدة قالها الناظم في ظرف
دقيق عصيب ولذلك فهي تنم عن روح
متشائمة تفيض بالسخط الغزير
والتبرم المرير كما انها من ناحية أخرى
تعبر عن أشواق جارفة وعيون ذارفة


ذاب من فرط شوقه وجداني=
واتاني من الهوى ما براني
وتصورت بلدتي وضحاها=
وهواها وطيب تلك المغاني
وتجولت بالخيال مليا=
في رباها بمدع هتان
ان مرأى القيصوم والشيخ والحوذ=
ان أشهى من زخرفات المباني
يا بلادي اليك مني سلاما=
من فؤادي ومن دمي ولساني
ان دهراً قد سرني فيك قد عا=
دفأروى الزناد في اركاني
هو اعطاني السعادة قدما=
ولقد عاد في الذي اعطاني
طالما سرني واضحك سني=
واراه مؤخراً ابكاني
سمة الكون لا سرور ولا حزن=
يدومان بل يرى الضدان
وارى لذة الحياة بهذا=
وبهذا تعادل الكفتان
يا بلادي عرفت ما كنت انكرت=
زامنا من فضلة المتداني
كنت مستهتراً بقدرك جهلا=
ثم ان الاله بعد هداني
وانا اليوم ابذل الجهد اني=
لا أجيب داعي النوى لو دعاني
قد تعلمت من حياتي دروساً=
هي أغلى من الثرى والجمان
وقلبت الحياة ظهراً لبطن=
وعلوت السماك ثم علاني
وعركت الدهور سلما وحربا=
ورميت الزمان وهو رماني
وتوانيت مرة ثم أسرعت=
فكان الإسراع مثل التواني
كم حدا بي الى الغرور شبابي=
وسمت بي مجنحات الأماني
وتجاريت في الهوى والتصابي=
فوجدت الهوى وليد الهوان
كم ضحكنا وبعده كم بكينا=
فاذا الضحك والبكا سيان
كلما قد مضى يكون لذيذا=
لوعة الحزن مثل طيب التداني
يا بلادي اليك اشكو رفاقي=
يا بلادي اليك اشكو زماني
لست أدري وليس غيري يدري=
بخفايا الاخوان والخلان
كم صديق يسومني الخسف مراً=
ضاحك الثغر حينما يلقاني
يتمشى مع الزماني صعوداً=
وهبوطاً ككفة الميزان
فاذا زانت الامور تداني=
وإذا شانت الأمور جفاني
واذا شجني الزمان بسهم=
جاءني منه طعنة بالسناني
أو حباني الزمان منه بنعمي=
أظهر البشر بالذي قد حباني
هذه سنة الصحاب فماذا=
يا بلادي ترين فيما اعاني
يا بلادي أقسمت ان الزم البيت=
وان لا أريم من ذا المكان
سئمت نفسي الطموح ازدلافا=
لفلان ومن لقاء فلان
اقتدي بالآلي لهم قصب السبق=
ومن فاز في الدنا بالرهان
سلوتي دفتري وخدني كتاب=
فيه من كل فكرة زوجان
لذة تبعث السعادة في النفس=
وتسقي الفؤاد بالعرفان
أتخطى من بحر فن لفن=
سابحاً في بحور تلك المعاني
لذة النفس تجلب الروح للقلب=
وليست كلذة الابدان
يا بلادي سئمت من كل شيء=
غير ذكراك انها في لساني
ففؤادي اليك يخفق شوقاً=
عيوني الى رباك روان
وارى حبك المبرح يزدا=
د الى ان غدا من الايامن
فاسلمي وانهضي وعيشي بعز=
في مغاني العلا ونعم المغاني
- المصدر: الجزيرة 20/8/1421 16/11/2000م


بواسطة : admin
 0  0  5.5K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:20 صباحًا السبت 20 أبريل 2024.