• ×

06:34 صباحًا , السبت 20 أبريل 2024

تسعون عاماً في بحار الفكر والصحافة والإبداع

المجلات مجلة أهلاً وسهلاً
التاريخ 07-01-1995
رقم الموضوع 1639
التفاصيل
عبدالكريم الجهيمان تسعون عاماً في بحار الفكر والصحافة والإبداع

أجرى الحوار: محمد عبدالله الطيار

مدرسة تعلمنا ونتعلم منها الكثير، وأعماله أثرت الفكر في بلادنا المباركة، وحفر اسمه في عقولنا كونه الكاتب والأديب المبدع، عمل في التدريس فأبدع وتخرج على يديه أساتذة يدينون له بالفضل، وكتب في الصحافة فكان مثال الصحفي المبدع، صاحب القلم الجريء والفكر النيّر، انتقل من فلاحة الأرض إلى فلاحة الفكر، فكان صاحب الفكر الخلاق والقلم الذي لم ينضب حبره إلى اليوم. قضى عمره في حقول الكلمة، فهو الأديب العربي الذي كتب عن عروبة فلسطين والجزائر ولبنان ومصر، وناضل في سبيل كرامة الأمة في كل ربوعها، وامتنع عن زيارة «إنجلترا» يوم كانت تذيق الأمة العربية صنوف العذاب، وتمتص الدماء العربية الطاهرة، كان من خلال قلمه مصلحاً اجتماعياً وأستاذاً كبيراً في حقل الصحافة والأدب. ولأنه صاحب الفكر النير فقد تنبه إلى أن أدب الأطفال يرد لنا من الخارج بفكر يشكل خطراً على نشء أمتنا المسلمة، فكتب للأطفال، واهتم بهم، ولأن الغرب كان يريد أن يطمس الهوية العربية والإسلامية، فقد كتب عن التراث الشعبي. وهكذا تنقل أبو سهيل من حقل إلى حقل في عالم الفكر، والآن بعد أن قارب التسعين عاماً يقول: «كنت صريحاً ومخلصاً وصادقاً مع نفسي» وبالفعل صدق في الكتابة للقراء وهو من خيرة الأقلام التي كتبت في صحافتنا وأدبنا. واسع الصدر كريم اللقاء بشوش حتى في كتاباته تقرأ له وتحس بأنك تحتاج المزيد. كان مدرسة للفكر والإبداع تعددت فصولها، فهو الذي أطلق شرارة الصحافة وكان قدوة في حقل الفكر والثقافة واحتضن الصاعدين من شباب المنطقة الشرقية وشجعهم، إذ هو أول من أسس ورأس تحرير أول جريدة صدرت في ساحل الخليج العربي تحت اسم «أخبار الظهران» كما أنشأ أول مطبعة أسماها على اسم قديم لتلك المنطقة وهي «مطابع الخط للطباعة والنشر». ولن نتكلم كثيراً عن أبي سهيل لنترك لكم فرصة التعرف على مدرسة الفكر والإبداع.
 رحلتكم في عالم الفكر اتسمت بحب الوطن، وهي مليئة بالتضحيات والمبادرات الخلاقة.. فهل لنا أن نعرف شيئاً عن هذه المسيرة؟
- كنت في أوائل شبابي شديد الحماس لمناصرة أي فكرة أؤمن بها سواءكانت دينية أو وطنية، وكان هذا الحماس يقودني في بعض الأحيان إلى مواقف محرجة مع بعض الجهات أو الشخصيات التي أكن لها الكثير من الحب والتقدير، والذي جرني إلى ذلك أنني كنت أؤمن بالفكرة التي تقول «إذا أطعمت فأشبع وإذا ضربت فأوجع» كما أنني أؤمن بفكرة أخرى مفادها أن على المرء إذا أراد أن يكون لكلامه تأثير فإن عليه أن يكون قوله حاراً جداً أو بارداً جداً وليحذر أن يكون كلامه فاتراً فإنه إذا كان كذلك يمر على الآذان دون أن يشعر بفحواه أي إنسان. وعندما توفي الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله رحمة واسعة وتولى الملك ولي العهد الملك سعود لم يكن في الحكومة إلا ثلاث وزارات هي المالية والخارجية والدفاع، أما بقية مصالح الدولة فتتولاها مديريات، وكانت البلاد قد تهيأت للانتقال إلى عهد جديد فتحولت المديريات إلى وزارات وتولى هذه الوزارات شباب مثقفون ومتحمسون يريدون أن يصلوا بالبلاد إلى أرقى المستويات في أقصر الأوقات، إنهم يريدون أن يعملوا عمل السنة في شهر وعمل الشهر في أسبوع وعمل الأسبوع في يوم.. ونتيجة لهذه العجالة تحدث بعض الهفوات كما أنه قد يبدأ بأمر من الأمور وغيره أهم منه وأولى بالتقديم. أما الذي لا يعمل فهو الوحيد الذي لا يخطئ إلا خطأ واحداً هوالجمود الذي هو أخو الموت. ولذلك عندما بدأت هذه الوزارات أعمالها حدث منها ما يحدث لكل عامل وكانت الصحافة عندنا تتمتع بكامل حريتها بحيث تناقش فيها جميع شؤون البلاد وكنت حينئذ أكتب مقالات أسبوعية بعنوان آراء للمناقشة في صحيفة اليمامة التي يرأس تحريرها الصديق الحميم الشيخ حمد الجاسر. ونتيجة للحماس الذي كنا نراه من المسؤولين فقد وجهت إلى معظم الوزارات كلمات حاولت أن تكون عناوينها مثيرة ولافتة للنظر ليكون ذلك أبلغ في تأثيرها.. ومن أمثلة هذه العناوين المثيرة عنوان المقالة التي وجهتها لوزارة الصحة وهو «الوزارة التي لا تقرأ» والسبب في ذلك أن الصحف كانت تكتب عن أخطاء في العمليات الجراحية والعلاج، يتضرر منها بعض المواطنين ثم لا نسمع من هذه الوزارة أي إجراء يدل على عقاب المتسبب أو تعويض المتضرر، ومن العناوين المثيرة أيضاً عنوان المقالة الموجهة لوزارة الزراعة وهو «الوزارة التي لاتعمل» وقلت في هذه المقالة إننا لم نر أثراً لهذه الوزارة في شؤون الزراعة أو شؤون المزارعين، وأنني لو كان لي من الأمر شيئاً لصرفت ميزانيتها لوزارة المواصلات لتنشئ بها طرقاً معبدة تربط الريف القرية وتربط القرية بالمدينة وفي هذا نفع كبير، ثم ختمت هذه الكلمة بقولي: «لو كنت وزيراً لوزارة الزراعة وهي على حالها هذا لقدمت استقالتي إلى الدولة بلا تردد ورزقي على الله». وكنت أكتب عن معظم الوزارات بهذا الأسلوب مع أنني لست طبيباً ولست خبيراً زراعياً ولست عالماً اقتصادياً، وإنما أكتب تلك المقالات بروح المواطن المخلص الذي يحب حكومته ويحب بلاده وتطلع إلى أن يراها في أوج العز والرقي والتقدم إلى الأمام وعلى الدوام. البرقية التي أعادتني إلى الرياض من بيروت.

في أواخر السبعينات كنت أشغل منصب مدير التفتيش الإدارية بوزارة المعارف التي كان يرأسها آنذاك سمو الأمير الشاب فهد بن عبدالعزيز وخادم الحرمين الآن ووكيل الوزارة الشيخ عبدالعزيز بن حسن رحمه الله ومديرها العام الأستاذ ناصر المنقوصر، ويساعد هؤلاء نخبة مختارة من الشباب المثقفين منهم حامد دمنهوري وعبدالوهاب عبدالواسع وحمزة عابد ومحسن باروم وآخرون ممن غابت عني أسماؤهم الآن. وقد أخذ وكيل الوزارة الشيخ عبدالعزيز بن حسن الذي هو الرجل الثاني في وزارة المعارف إجازة لمدة شهر يقوم خلالها برحلة حول العالم وقد اختارني لأكون مرافقاً له فوافقت بلا تردد، وسافرنا إلى بيروت، وفي اليوم الذي سافرنا فيه نشرت صحيفة اليمامة مقالتي المثيرة عن وزارة الزراعة ولم نشعر ونحن على وشك الرحيل إلى لندن إلا ببرقية تصلنا من وزير المعارف كتبت بالشفرة - وكان حل تلك الرموز عندي - وعندما شرعت بحل الرموز قلت للشيخ عبدالعزيز إن هذه البرقية تخصني وقرأتها عليه بعد حل رموزها وإذا هي بهذا النص «حسب الأمر السامي كلفوا مرافقكم عبدالكريم الجهيمان بالعودة إلى الرياض حالاً وخذوا الملحق الثقافي بدلاً منه في رحلتكم»، وكلفني الشيخ عبدالعزيز بن حسين بتنفيذ الأمر السامي ثم سافر وبصحبته الملحق الثقافي عبدالمحسن المنقور، وتيقنت بأن وراء الأكمة ما وراءها وانصب حدسي على أن المقالة القاسية التي كتبتها عن وزارة الزراعة هي السبب وقد يكون فهم من كلامي أنني أتهجم على وزيرها المحبوب وهو صاحب شخصية مرموقة على المستوى الشعبي وعلى المستوى الحكومي على حد سواء، وإذا فهناك غضب ومن الخير لي ألا أعود في حالة فورة الغضب كما أنني لا يمكن أن أعصي الأمر بالتوجه إلى الرياض حالاً إنه موقف محير، وبعد قليل من التفكير والتدبر رأيت أن أدخل مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت لإجراء بعض الفحوصات والتحليلات وأن أبعث ببرقية لوزير المعارف الذي هو رئيسي بأنني أصبت بوعكة صحية وأنني الآن داخل المستشفى وبمجرد خروجي سوف أتوجه إلى الرياض حالاً. وجاء الجواب بأننا نتمنى لك الشفاء العاجل وإذا انتهى الفحص والعلاج فتوجه إلينا سريعاً، وبعد تبادل هاتين البرقيتين سكتوا عني وسكت عنهم.. وبعد شهر تقريباً عدت إلى الرياض وأنا أعلم أن ولاة أمورنا وفقهم الله للخير أقرب ما يكونون للعفو والتسامح لا سيما إذا توافر حسن النية وسلامة القصد، وقابلت سمو الأمير واعتذرت إليه عن التأخير فقبل عذري وقال لي بأن الأمر قد انتهى كما أشار بأن أذهب إلى وزير الزراعة وأصارحه بأن ما جرى شطحة من شطحات الشباب، وهكذا انتهت هذه الورطة بعد أن دفعت مقابلها ضريبة غالية. رحلة حول العالم على حساب الدولة كلفتني في ما بعد آلاف الريالات، هذه لمحة مركزة عن الأحداث وقد جرى لي أمثالها في فورة الشباب وعنفوان الرجولة، ونكتفي بقصة هذه المقالة لما فيها من الملامح عن الماضي، وقد قيل في الأمثال يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق. رحلة العمر
 من الرياض إلى الظهران رحلة بعيدة في عمق الزمن.. فمن مكتبة صغيرة في مدينة الرياض إلى مشروع إعلامي كبير هو الأول من نوعه يتضمن الطباعة والصحافة في المنطقة الشرقية.. كيف تقيمون تلك المرحلة من عمركم؟
- حياتي في مطلع شبابي غير مستقرة بل هي مليئة بالتنقلات والتطورات التي ما كنت أخطط لها وإنما كنت فيها مسيراً لا مخيراً فقد تعلمت مبادئ القراءة والكتابة في قريتي الصغيرة ثم انتقلت إلى الرياض فتعلمت بعض مبادئ العلوم الدينية والعربية ثم سافرت إلى الحجاز وأقمت في مكة حوالي خمسة عشر عاماً ما بين الدراسة والتدريس ثم عدت إلى الرياض فترة قصيرة من الزمن انتقلت بعدها إلى المنطقة الشرقية وتوليت رئاسة شركة الخط للطبع والنشر التي كانت أول شركة للطباعة تنشأ في الدمام ثم توليت رئاسة تحرير صحيفة أخبار الظهران وقد استفدت من هذه التنقلات فوائد جمة كسبت منها الصداقات العديدة ومعرفة كثير من أفكار الناس على مختلف طبقاتهم، أما الكسب الذي كان له أبلغ الأثر في حياتي فهو رئاستي لتحرير أخبار الظهران، فقد كانت ترد إلى الصحيفة الكثير من الآراء التي منها المصيب ومنها المخطئ، منها المعتدل ومنها المتطرف ومنها الذي تجده يرمي إلى أقصى اليمين أو العكس، وبهذا عرفت الكثير من الأمور التي تتفاعل في مجمعي، وكنت أستفيد من الرأي الصائب فأقدره وأتبناه، أما الآراء المتطرفة فأحمد الله الذي لم يجعلها تتفاعل في نفسي أو يجري بها قلمي، كان من حسن حظي أنني مارست هذه الأمور في سنوات النضج الفكري والنضج الاجتماعي فأتت ثمارها على الوجه الذي أحمد الله عليه. صلاح المجتمع
 كنتم خير من كتب وعالج قضايا اجتماعية في معظم الصحف.. فهل لاختيار هذا الجانب سبب معين؟
- نعم هو كذلك، ومن المعروف أنه إذا صلح المجمع صلح كل شيء، فالقادة ومساعدوهم وجلساؤهم ومستشاروهم هم من نتاج هذا المجتمع، وما ذكرته يتماشى مع المقولة «كيفما تكونوا يول عليكم» ونحن إذا سبرنا هذه الحكمة الجليلة في كثير من المجتمعات والقيادات وجدنا أنها تمثل كامل الحقيقة، وأنا وأنت أيها القارئ الكريم إذا انتسبنا إلى مجتمع صالح راق في أخلاقه وسلوكياته فإننا نفخر بانتسابنا إليه ونرفع رؤوسنا عالياً إذا سمعنا ذكره.
مع حمد الجاسر واليمامة والقصيم.
 ما الصحف التي تعاونتم معها أكثر؟ وأيها أحب إليكم؟
- الصحف التي تعاونت معها بشكل منتظم هي صحيفة اليمامة حينما كانت جريدة لا مجلة وكان الذي يملكها ويرسم سياستها صديق صحبته وعاشرته منذ طلائع الشباب وهو الشيخ حمد الجاسر الذي لقبه المجتمع «بعلاة الجزيرة»، وصحيفة ثانية هي القصيم التي يملكها عدة أشخاص، ولكن البارز منهم هو الشيخ عبدالله الصانع وهو مواطن كريم الأخلاق محب للخير يهدف من وراء صحيفته إلى الإصلاح والرقي في مختلف مجالات الحياة، وكانت هاتان الصحيفتان تصدران في الرياض وتتنافسان في المجالات التي تخدم الوطن والمواطن كما أنهما توأمان متحابان متعاونان لا تستطيع ترجيح إحداهما على الأخرى سوى من حيث القدم، فاليمامة هي الأولى ولها حق الريادة والصدارة في الصدور. لا فرق بين الشعر الحر والنثر
 من الشاعر الذي تميلون إليه أكثر من غيره؟
- ثقافتي قديمة وقد أكثرت من قراءة وحفظ الشعر الموزون ولذلك فأنا أطرب للجيد منه وتسحرني بعض الخيالات والتصورات التي ينسجها بعض الشعراء في قصائدهم، أما الشعر الحر فأنا لا أعتبره شعراً وإنما أعتبره نثراً يتميز بأحد أمرين إما الجودة وإما الرداءة فأنا أقرأ الجيد منه على أنه أحد فنون النثر لا غير، ولا أميل إلى شاعر معين أفضله على جميع الشعراء وإنما أعتبر أنهم كالزهور كل واحدة منها لها لونخاص ورائحة خاصة إذا جمعت بعضها إلى بعض تكون منها باقة ذات منظر بديع تعجب الناظرين ورائحة ذكية تنعش الروح وتجلب السرور. مؤلفاتي ثلاث فئات.
 لكم العديد من المؤلفات التي ظهرت للنور.. هل يمكن تعريف القارئ بها؟
- نشرت عدة مؤلفات وهي في نظري تنقسم إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى عن التراث الشعبي وقد صدر فيه مؤلفان أحدهما الأمثال العربية في قلب جزيرةالعرب ويقع في عشرة مجلدات ويحوي ما يقرب عن عشرة آلاف مثل، أما الثاني فهو كتاب «أساطير شعبية» ويقع في خمسة مجلدات وقد ألفت هذين الكتابين في مدة قد تبلغ العشرين عماً أو يقاربها وبذلت جهداً ووقتاً في جمعهما وأنا فيالواقع أعتبرهما كنزين ثمينين لمن أراد الرجوع إليهما لكي يعرف ملامح من تاريخنا الماضي من حياة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ولا أبالغ إذا قلت إن هذين الكتابين يحويان التاريخ الصحيح لماضينا القريب، الذي قد تلمحه من تعبير خاص أو إشارة خاطفة، وبالجملة فهذان الكتابان يعتبران في نظري مادة خصبة للعديد من التحليلات والاستنتاجات التي يحتاجها كل باحث في ماضينا القريب والبعيد على حد سواء، أما الفئة الثانية فهي كتب تضم المقالات التي نشرتها في صحف متعددة وترمي إلى إصلاح المجتمع وفتح أنظاره إلى ما فيه الخير والصلاح دنيا وآخرة، وقد جمعت هذه المقالات في عدة كتب بأسماء متنوعة فأولها كتاب «دخان ولهب» و«أين الطريق» والثالث «آراء فرد من الشعب» والرابع «أحاديث وأحداث» ثم تأتي الفئة الثالثة وهي كتب الرحلات وقد نشرت منها كتابين أحدهما كتاب «ذكريات باريس» والثاني كتاب «دورة مع الشمس» وهو رحلة حول العالم بدأتها من الغرب وانتهيت منها في الشرق، وهذان الكتابان قد تكون فائدتهما تخصني وحدي أكثر من فائدتهما لأي شخص آخر. مكتبة الطفل  كنتم قد توجهتم لحكايات الأطفال من خلال بعض منشوراتكم للأساطير الشعبية.. فهل هناك من سبب دفعكم لذلك؟ وما الأهداف التي تحققت من وراء هذا العمل الثقافي؟ ولماذا توقفتم عند هذا الحد؟ ألا يمكن المواصلة عبر مؤسسة تقام لهذا الشأن حيث تفتقر مكتبة الطفل لمثل هذا النوع من الثقافة الواعية؟
- لقد كتبت سلسلتين من كتب الأطفال إحداهما باسم «مكتبة العرب» وهي عشر قصص، والثانية «مكتبة الطفل في الجزيرة العربية» وهي عشر قصص أيضاً، والذي دفعني إلى ذلك أن قصص الأطفال التي تصدر خارج بلادنا قد تكون كتبت لمجتمعات وبيئات غير بيئتنا، أما لماذا لم أستمر في الإصدار فلأنني لم أجعلها كمجلات الأطفال الشهرية أو الأسبوعية وقد أدت في نظري الخدمة التي أردت لها وسدت فراغاً كان ملحوظاً في حياة أطفالنا.. المرأة والحياة  ماذا يقول أديبنا عن المرأة.. وهل احتلت حيزاً من اهتمامه؟
- المرأة هي نصف المجتمع وهي أم البشرية ولها مهمات في هذه الحياة لا يستطيع الرجال أن يؤدوها، كما أن المرأة هي الأم وهي الأخت وهي الزوجة وهي البنت، إن المرأة في تصوري هي موضع الاحترام والإكرام والرعاية والذين يحتقرون المرأة هم قصار نظر فهي التي تدبر الكثير من شؤون الحياة وكم من زعماء فقدوا زعامتهم نتيجة لسوء تعاملهم مع لمرأة، وكم من رجال بلغوا ذروة المجد لأن من ورائهم من يحمي ظهورهم من النساء ويوفر لهم وسائل التدبر والتفكير في ما يحيط بهم من الشدائد والصعاب. ودعك من هذه الحضارة التي سلبت المرأة بهاءها ورونقها وجعلتها سلعة يستغل جمالها وأنوثتها للكسب والمتاجرة والوسائل الأخرى التي تأباها الأخلاق الكريمة! حمد الجاسر.. صداقة سبعين عاماً  نعود إلى العلاقة بينكم وبين علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر؟
- علاقتي بالشيخ حمد الجاسر عريقة بدأت منذ أوائل الشباب عندما كنا في الرياض نطلب العلم في عام ستة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ومعنى هذا أن صداقتنا بدأت منذ حوالي سبعين عاماً، وتفرقنا في هذه السنوات عدة مرات واجتمعنا عدة مرات أيضاً وصداقتنا تزداد مع الأيام قوة وإشراقاً.
عرض عليكم القضاء ومناصب إدارية أخرى كرئاسة البلدية.. فرفضتم لماذا؟ نرجو أن نسمع منكم مبررات العزوف عن تلك المناصب وظروف ذلك؟
- بعد تخرجي من المعهد العلمي السعودي عام 1351هـ صادف نقل أستاذي الشيخ محمد بن عثمان الشاوي من التدريس في المعهد إلى سلك القضاء في بلدة تربة وقد عرض عليّ أن أرافقه وأن أوالي الدراسة لديه في علوم الشريعة ليكون ذلك تمهيداً لتولي القضاء ووافقت على ذلك على شرط أن أبقى معه مدة سنة فإن أعجبني الحال بقيت وسرت في طريق الرقي في سلك القضاء، وبعد أن أتممت السنة طلبت من فضيلته أن أعود إلى مكة لأنتظم في سلك التدريس. أما رئاسة البلدية فصحيح أنها عرضت عليّ وظيفة رئاسة بلدية الخبر وقد رفضتها تماماً. الخاتمة الحسنة  ماذا يتمنى أديبنا الآن أطال الله عمرك؟
- أتمنى حسن الخاتمة وأن أرحل عن هذه الدنيا الفانية راضياً مرضياً عليّ من قبل خالقي ومن قبل خالقه. الغزو الإعلامي يواجه بتقديم البديل الأفضل  ما رأيكم في صحفنا وصحافتنا هذه الأيام؟
- صحافتنا في الوقت الحاضر مثل الصحافة في البلاد العربية المجاورة لا فرق بينها إلا في الإخراج والتبويب والألوانواختلاف الأسماء.
 ما رأي أديبنا في كساد سوق الأدب وكيف يمكن تثقيف شبابنا أدبياً؟ وكيف يمكن تحصينهم ضد الهجمات المتوالية والغزو الإعلامي والثقافي الذي أضر بهم وكذلك التأثير السلبي عليهم عبر بعض قنوات التليفزيون الفضائية؟
- كساب الأدب أمر شكا منه الأولون كما يشكو منه الجيل الحالي، وقد قال شاعر قديم بيتين من الشعر في التعبير عن الشكوى من كساد الأدب: تبا لعيش الكتبة تبا له ما أتعبه تبا لرزق نازل من شق تلك القصبة إلا أن الإنتاج الأدبي الجيد يحظى بالرواج أو بعض الرواج، ولعل من أسباب كساد الأدب قلة القراء وغلبة الأمية وشبه الأمية في البلاد العربية. أما تثقيف شبابنا وتحصينهم من هذه الثقافات الدخيلة التي ضررها ظاهر في سلوك البعض فذلك يجب أن يرتكز على تعديل المناهج الدراسية وإعادة النظر فيها ما بين وقت وآخر وجعل التعليم الزامياً إلى حد معين وفتح معاهد لتعليم معظم الفنون والصناعات التي تتطلبها الحياة الاجتماعية والتصدي لهذه الثقافات المغرية التي تأتينا من الخارج وإيجاد بدائل لها مما يتناصب مع عاداتنا وتقاليدنا، لأنه ليس من الممكن أن تصرف القارئ أو المشاهد عن شيء جذاب إلا إذا عوضته بمثله أو قريب منه، وهذا التعويض يجب أن يخضع لدراسات عميقة يجب أن يقوم بها خبراء يعرفون رغباتالناس واتجاهاتهم فيوجهونهم إلى الخير وينبهونهم إلى الأضرار التي تتحوفهم ذات اليمين وذات الشمال، لأن الذين خططوا لتلك الهجمات لم يفعلوا ذلك إلا نتيجة لدراسات عميقة لنفسيات تلك الشعوب وعقلياتهم واتجاهاتهم الفكرية والنفسية. أهداف صهيونية ولا ننسى أن إسرائيل لها دور كبير في بلبلة الأفكار وتفريق الجماعات وإياقد نار الفتن بين المسلمين شرقاً وغرباً، وإسرائيل قد زرعها المستعمرون في وسط الأمة الإسلامية لما يعلمونه من عدوانها وكيدها للإسلام والمسلمين كما أننا نحن المسلمين قد ساعدنا على تثبيت قواعدها في بلادنا باختلافنا وتفرقنا، فإسرائيل ليس لها مكونات الدولة لا من حيث عدد السكان ولا من حيث الرقعة التي تحتلها ولا من حيث الاقتصاد والموارد الطبيعية، فاقتصادهم يقوم على التبرعات والمعونات، وأنا لا أقول هذا من باب الاستخفاف بإسرائيل فالعدو مهما كان ضعيفاً لا يستهان به، وقد قال الشاعر العربي: ولا تحتقر كيد الضعيف فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب ولكننا نحن العرب والمسلمين يجب أن نتحد فإذا اتحدنا فإن قنابل إسرائيل الذرية والهيدروجينية لن تخيفنا فبلادنا واسعة وألف قنبلة لن تقضي علينا ولكن قنبلة واحدة يمكن أن تقضي على إسرائيل وتقوض بنيانها وتزيلها من الوجود وقد أصبحت هذه القنابل ليست حكراً على دولة دون الأخرى وقد يأتي وقد قريب تستطيع الدول الصغيرة صنعها أو تشتريها ممن يصنعها والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.  ما هو بيت الشعر الذي يتردد على لسانكم دائماً ليفسر تناقضات الحياة وغرابتها؟
- كثير من الناس يشعر أنه مغبون في رزقه مغبون في وضعه الاجتماعي مغبون في مجاله الوظيفي وقد يكون ذلك ناشئاً عن مكوناته النفسية واستعداداته الجسدية ومواهبه العقلية ولكنه لا يشعر بذلك بل ينسبه إلى سوء حظه ونحس طالعه، وقد قال آباؤنا وأجدادنا الأولون مثلاً في ذلك وهو «كل بعقله راض إلا برزقه»، وأنا إذا رأيت مثل هذه الحالات وما أكثرها تمثلت بقول الشاعر: كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن؟ * الناس اليوم يضجون من الزمن، وأحد الشعراء يرى أن الزمن الماضي قبل ربع قرن مثلاً زمن أبيض بخلاف هذا الزمن الحالي، ومن المعروف أن أحد الشعراء نعت المتذمرين من الزمن حيث قال: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا ولا شك أن الزمن الحالي يكثر فيه القلق والتوتر نظراً لتباعد الناس والمسافات وكلفة متطلبات الحياة وتعقيداتها.. فماذا يحضركم بهذا الشأن من تفسير لهذه الظاهرة؟ - الناس من قديم الزمان يذمون زمانهم الحاضر ويحنون إلى زمانهم الماضي هذا قبل زماننا الحاضر الذي تعقدت فيه الأمور وكثرت فيه الالتزامات وتعددت فيه مطالب الحياة للعيش الرغد الكريم، وقد جاء في الأثر عن سيد البشر إنه قال: «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم». قد يكون من أسباب السخط على الحاضر والحنين إلى الماضي أن المرء في مطلع حياته ورونق شبابه يرى كل شيء جميلاً وكل منخالطه من الشر خليلاً ثم تتكشف الأمور في ما بعد فيخون الخليل ويجفو القريب وتتكالب على المرء في الكبر أمور يثقل عليه أن يحملها فيذكر أيام الشباب وهي الماضي بالنسبة إليه ويتأنف من أيام الكهولة أو الشيخوخة التي هي حاضره، وقد أشار الشاعر ابن الرومي إلى هذا المعنى في أبيات له في حب الوطن وهي قوله: ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا عمرت به عهد الشباب مفعما بصحبة قوم نعموا في ظلالكا وحبب أوطان الرجال اليهموا مآرب قضاها الشباب هنالكا اذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا  بناء أبي سهيل.. كيف سلكوا التعليم وساروا في دروب الحياة؟ وما دوركم في توجههم؟ وهل أنتم راضون عن المحطات الحياتية الحالية لهم؟
- أولادي الموجودون الآن على قيد الحياة تسعة ما بين ذكر وأنثى وهم جميعاً من أم واحدة ومع ذلك فهم متفاوتو الطباع والأخلاق والاتجاهات والأمزجة، ولقد كنت في صغرهم أوجههم وأحاول أن أرشدهم إلى الطريق السوي حسب تصوراتي وخبرتي في الحياة، أما بعد أن كبروا فقد تركت لكل واحد منهم أو واحدة أن يختار طريقه في الحياة، والواقع الصحيح أنني تركت لهم الحرية في اختيار طريقهم في الحياة مرغماً بعد أن كبروا وشبوا عن الطوق، وقد تفاوتت رغباتهم وتعددت مناهجهم غير أني لا أبخل عليهم بإسداء النصح ما بين وقت وآر والنصح أغلى ما يباع ويوهب مع أن النصيحة إذا لم توافق هوى أو رغبة في نفوس المنصوحين فإن مصيرها أن تذهب سدى وأن تذروها الرياح، وقد قيل في الأمثال «اللي ما في قلبه واعظ ما تنفعه المواعظ« وأنا من جانب آخر أو بالمقولة التي نصها «لا تقصروا أولادكم على أخلاقهم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».
 نأمل أن تحدثونا عن رحلاتكم خارج المملكة وانطباعاتكم عنها؟ وما المدينة العزيزة عليكم؟
- لقد تجولت في كثير من المدن والممالك سواء منها الشرقية أو الغربية الإسلامية أو غير الإسلامية ولم أكن في رحلاتي أهدف إلى المتع الجسدية أو المكاسب المادية وإنما كان هدفي أن أطلع على طبائع الشعوب وأخلاقها وطرائق تعاملها بالأقوال والأفعال فأتخلق بالجميل منها وأبتعد عما يشين، وإذا رأيت من بعض الشعوب شيئاً من الطقوس الدينية التي ينفر منها العقل السليم ولا يقرها المنطق حمدت الله على نعمة الإسلام دين العقل والفطرة الذي أنعم الله به علينا وجعل رسولنا شهيداً علينا وجعلنا شهداء على الناس، وأجمل البلاد في نظري هي البلاد التي يسود فيها الإسلام وتؤدى فيها شعائره ويجد المرء فيها من يعين على سبل الخير والإصلاح. هل هناك كتب ما زلتم ترجعون لقراءتها رغم قراءتكم لها من قبل؟
- القرآن الكريم وكتب الأحاديث والسيرة النبوية وكفاح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سبيل تبليغ الرسالة، ثم كتب لعلمائنا الذين حفظوا لنا هذا الدين القويم من جميع النزوات والأفكار الهدامة تدنيسه أو صد الناس عنه.  أصدقاء الأمس وزملاء رحلة أين يقف بهم الزمن الآن؟
- الكثير من أصدقاء الأمس والزملاء في هذه الحياة قد تقدمونا إلى الدار الآخرة من الأصدقاء وزملاء الدراسة إلا أقل، إن هناك أمر أبلغ من ذلك وهو أني فقدت من تلاميذي في مدارس مكة وفي مدارس ونحن سائرون على الأثر، وكل ما أتمناه في بحر التسعين أن يوفقني الله لعمل الصالحات وترك المنكرات والسير على السلف الصالح وأن ألقى الله خفيف..... حقوق العباد راسخ العقيدة الصحيحة ... الصراط المستقيم.
- المصدر: مجلة أهلاً وسهلاً: العدد ٧ صفر/ ربيع الأول 1416هـ - يوليو 1995م.


جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:34 صباحًا السبت 20 أبريل 2024.