• ×

03:39 مساءً , الخميس 25 أبريل 2024

المعتدل والمائل في حياة أبي سهيل

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الوطن.. وبوصلة الضمير
محمد عبدالرزاق القشعمي.
تعود معرفتي بأبي سهيل الأستاذ الأديب/ عبدالكريم عبدالعزيز الجهيمان إلى بداية عام 1380هـ - 1960م حينما كنت طالباً بمعهد الرياض العلمي عندما كان يكتب أو على الأصح يحرر أغلب مواد جريدة القصيم، فقد كان يكتب الافتتاحية أو كلمة القصيم خالية من أي توقيع، ويكتب في الصفحة الأخيرة عمودين مشهورين تحت عنوان «المعتدل والمايل» موقعاً باسمه الصريح. وكان يعرض كل السلبيات السائدة، فيعالجها بأسلوب يجمع بين النقد اللاذع والتهكم والغمز واللمز. «يقول بعد ذلك أن الملك سعود استدعاه يوماً وقال له: إنني قرأت كلمتك المعتدل والمايل وإنني لم أجد بها معتدلاً، فكلها مايلة». ثم تجد في الصفحة الأولى أيضاً جملة طويلة من المواضيع التي يكتبها على شكل سلسلة، وبالذات ما يتعلق بالرحلات، فقد كان يسافر مع بعض الأدباء بدعوة رسمية من بعض الدول أو يحضر أحد المؤتمرات الأدبية، فتجده يستعرض ما شاهده، فيبرز الجوانب الإيجابية ويطالب أن يكون لبلادنا نصيب منها، فلا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أشار إليها وبشكل يدعو للإعجاب، ويمر على السلبيات ناهياً عنها ومنتقداً لها. إلى جانب مقالات أخرى له بالعدد نفسه بتوقيع ع.ج. وفي العام نفسه نزل إلى الأسواق كتابه الأول «دخان ولهب» والذي يحتوي على مقالاته التي نشرها عندما كان يرأس جريدة «أخبار الظهران» قبل إيقافها. والذي تخاطفته الأيدي بإعجاب؛ هذا إلى جانب مشاركته بمجلة «المعرفة» التي تصدرها وزارة المعارف، وكان وقتها مديراً للعلاقات العامة بها، ثم انتقل إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني وأصدر مجلة «المالية والاقتصاد الوطني» كمجلة شهرية يحررها هو والدكتور عبدالله القباع. وكان وقتها سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز وزيراً للمالية وهو الذي طلب نقل أبي سهيل إليها. ثم التقيت الأستاذ الجهيمان لأول مرة في منزل الأستاذ حمد الجاسر علامة الجزيرة العربية عام 1403هـ في الملز بالرياض عندما زرته مهنئاً بفوزه بجائزة الدولة التقديرية في الأدب، وعندما رأى أننا نخص الشيخ الجاسر بالزيارة ونطلب منه بعض المعلومات ونماذج من إصداراته للعرض في حفل تسليم الجائزة، استئزن وخرج، والتقيته مرة أخرى في الشؤون الثقافية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكان يُحضر بنفسه بعض مؤلفاته عارضاً بيعها على الرئاسة لتوزيعها على الأندية الرياضية وغيرها، وذات مرة رافقته إلى مكتب المدير، وخرجت لأمر ما، ثم عدت، فوجدت أحد الزملاء قد دخل عليهما وهو يدخن وعندما رآه أبو سهيل قال له: أما تعرف أن التدخين يضر بالصحة علاوة على صغر هذهالغرفة بالإضافة إلى كبر سني، وقد تعرضني للضرر، وعندما هم بإطفائها قال له: لا لا، بل أعطني أخرى، فانتهى الموقف بالضحك، واستمرت بعد ذلك لقاءاتنا بالمكتب. وقبل حوالي عشر سنوات قرأت في إحدى الجرائد أنه خرج من المستشفى العسكري بعد أن مكث فيه قرابة أربعة أشهر بسبب كسر في رجله، وأنه طوال هذه المدة لم ينشر عنه أي خبر في جميع الصحف، فأحسست بتأنيب الضمير، وتألمت لهذا العقوق لمثل هذا الرجل الذي نعده من الرموز الوطنية، فسألت عن بيته وزرته مع الزميل ناصر محمد الحميدي الذي يسكن بالقرب منه. وقد رحب الرجل بنا، ولكنني رأيت أن خفة الظل التي كان يتحلى بها بدأت تخبو إلى جانب أنه كثيراً ا يتبرم من بعض المواقف. وقد حاولت إخراجه من العزلةالتي يعيشها سواء من خلال دعوته لزيارتي وجمعه ببعض الأصدقاء الذين ينظرون إليه بتقدير كبير، ولكنهم لا يعرفون كيفية الوصول إليه، فبدأت أزوره بين وقت وآخر بصحبة الأستاذ فهد العلي العريفي وغيره من أدباء المملكة فوجدت أنه بدأ يتحسن وأصبح يضحك من أية نكتة أو موقف طريف وبداخله الفرح بشكل لا يوصف، فشعرت أنه بدأ ينتقل من جو إلى آخر. بعد فترة وجيزة زاره سعد الدوسري وأجرى معه حديثاً صحفياً تناول سيرته الذاتية نشره في مجلة الوسط عند ما كان مسؤولاً ثقافياً بها. ثم زرته بعد ذلك مع أساتذة النقد الحديث الدكاترة سعد البازعي ومعجب الزهراني وعبدالله المعيقل. وفي إحدى الزيارات سألته لماذا لا تكتب مذكراتك؟ وذكرت له بعض من كتب، وكان آخرهم الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار من خلال كتابه «بين السجن والمنفى» فتمنع ووضع الحواجز واختلق المعاذير وذكر بعض الأشياء غير المنطقية، وبدأ يطلب بعض الكتب وبالذات ما يتعلق منها بالسيرة الذاتية واتفقت مع الأخ ناصر الحميدي على أن يطلب منه عند زيارته أن يسجل له أو يحدد له ومعه برنامجاً بحيث لا يرهقه؛ فمثلاً كل أسبوع يطالبه بعشر صفحات، وبدأ الأخ ناصر بجمع ما كتب عنه ويستعرض مؤلفاته، حيث أصدرها باسم «رحلة أبي سهيل» قراءة في حياة وأدب عبدالكريم الجهيمان، وكانت عملية استداجه لكتابة مذكراته من خلال أن يكتب ملخصاص في حدود 30 صفحة لضمها للكتاب المذكور، وعندما صدر كتاب الأخ ناصر كانت المذكرات كاملة على وشك الانتهاء. وبعد صدور مذكراته بدا سعيداً، وبدأ يفكر في إعادة طبع كتبه الأخرى. قبل أربع سنوات كلفني الدكتور يحيى بن جنيد عندما كان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية بدعوته لزيارة المكتبة لنبدأ معه تسجيل سيرته الذاتية من خلال برنامج «التاريخ الشفهي» فاستجاب للدعوة وتم ذلك من خلال جولته بالمكتبة أعقبتها جلسة التسجيل، وكان سعيداً وفرحاً بالمكتبة وما وصلت إليه منمستوى طيب رغم حداثتها، بعد أيام دعانا لمنزله حيث المرحلة الثانية من التسجيل مع بعض أولاده وأحفاده، وبين كتبه وشهاداته التي حصل عليها من المعهد العلمي السعودي بمكة عام 1352هـ وهي معنونة باسم «الحكومة العربية الحجازية» حيث يبلغ ولي أمره مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بأن الشيخ عبدالكريم الجهيمان قد اجتاز الامتحان بنجاح، وكان تقديره الأول من بين الناجحين. بعدها بأيام حضر إلى المكتبة كل من الدكتورين معجب الزهراني وعبدالله المعيقل والأخ عبدالله حسين حيث تم تسجيل حديث عن أبي سهيل، تناول فيه كل واحد منهم جانباً من اهتمامه الأدبي، فقد تناول الدكتور معجب الرحلاتمن خلال استعراضه لكتابين سبق أن أصدرهما «رحلة مع الشمس» و«ذكريات من باريس» وتناول الدكتور المعيقل كتب أبي سهيل الموجهة للطفل أما الأستاذ عبدالله محمد حسين فتناول كتابه الضخم «الأساطير الشعبية - ٥ مجلدات». وكانت بداية موفقة حيث بدأت المكتبة برنامجها الجديد «التاريخ الشفهي للمملكة». لقد عرفت أستاذنا أبا سهيل بسيطاً غير متكلف، ومهتم بالأدب والتراث العربي بشكل كبير، وعندما سافرت معه لأول مرة منذ سنتين إلى سوريا رجاني أن أحقق له طلبين أولهما: زيارة قبر «أبي العلاء المعري» بمعرة النعمان والآخر أن يسبح في البحر، وهكذا كان، فقد كانت زيارته لرهين المحبين زيارة موثرة، وقد ناقش أمين المكتبة أو مسؤول المركز الثقافي بمعرة النعمان حيث ضريحه ومكتبته لماذا لا يهتم به من حيث المقر وتواضع المستوى لولا أهمية وقيمة المكتبة التي تضم أغلب ما كتب عنه، وبالذات المجلدات الضخمة التي أهداها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عندما كان وزيراً للتربية بمصر. ولم يقتنع أبو سهيل إلا بعد أن ذكر له المشرف على المركز بأن حياة أبي العلاء كانت متواضعة، وهو لا يحب الرفاهية وعاش في هذا البيت المتواضع الذي رفض تغييره رغم عرض الكثير منهم عليه الأفضل، ومات ودفن هنا، ونحن لا نملك إلا أن نحترم رغبته. منذ عرفته قبل عقد ونصف العقد وهو يقول - عندما يسأل عن عمره - إنه في أواخر الثمانين، ومنذ أكثر منخمس سنوات يقول إنه في التسعين رغم أنه في ترجمته الرسمية يذكر أن مولده عام 1333هـ، ويعلل ذلك بأن التوثيق ودقة المعلومات لم تكن موجودة آنذاك، ولهذا فهو أكبر مما هو مسجل. سافرت معه إلى جدة مرتين: المرة الأولى قبل عام ونصف، وكانت لزيارة صديقنا الأستاذ عابد خزندار، حيث استمتعنا بضيافته لليلتين جميلتين على البحر، وزرنا معه والده الشيخ محمد علي الخزندار حيث الذكريات والتاريخ الجميل، وكذلك الأستاذ عبدالعزيز مشري، وبعدها بخمسة أشهر وبمناسبة عودة الصديق عبدالعزيز مشري من أمريكا، حيث ذهب للعلاج، عرضت عليه فكرة زيارته هناك فأشار عليّ أن نزور أيضاً زميله في التدريس قبل ستين عاماً في مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة الناقد الأستاذ عبدالله عبدالجبار، فوعدته بالاستعانة بعابد لمعرفة عنوانه، وكان لقاؤه بزميله القديم لقاءً لا يوصف إذ تمنيت لو كان معي «كاميرا» لأخذ صورة لهما وهما يتعانقان. وعندما قال الجهيمان لعبدالجبار إنني جئت إليك معتذراً عما بدر مني أثناء زمالتي لكم قبل ستين عاماً وشكايتي لك على مدير المدرسة آنذاك الأستاذ أحمد العربي - شفاه الله - أجابه الأستاذ عبداللهك إنني مسامحك من زمان - ومد الميم بقوة - وأضاف بأن كتبك هي التي شفعت لك. عرفت أبا سهيل في السفر فهو يتحرك بحذر عندما يكون رفيقه نائماً، وعلى العموم فهو ينام في اليوم حوالي خمس مرات، وببرنامج متقن حافظ عليه بدقة منذ حوالي ثماني سنوات؛ وبرنامجه اليومي - أثناء السفر طبعاً - يقوم في الفجر ليصلي ثم يشرب كأسين من الحليب مع قليل من الموز. ثم يعود للنوم ويضحو بعد ساعتين أو ثلاث ليمشي قليلاً خارج المنزل، ثم يعود ليشرب كأساً من الحليب ويأكل ما تيسر من الفاكهة، ثم يذهب لأقرب بركة سباحة من الساعة العاشرة صباحاً وحتى حوالي الثانية عشر، وتجده يفرح عندما يكون معه أطفال أو من يماثله في السن وتجده سريعاً ما يحتك به ويفتح معه الحديث فيعرف مستواه الثقافي، وعندها يحدد نوع الكلام ويحرص على التعرف على الجميع، ويعطي كل ذي حق حقه، وكل يحادثه على مستواه فقد تجد في المجلس كبار السن وصغاراً فلا يميز أحداً على أحد. يعود من المسبح ليصلي الظهر، فينام ساعة أو ساعتين ليصحو مطالباص بالغداء، وهو من البساطة بمكان بحيث لا يزيد على صحن صغير من الخضرة المطبوخة وقطعة صغيرة من الخبز وقليل من السلطة. وإذا كان فيه جناح دجاج أو قطعة لا تتجاوز حجم رأس العصفور من السمك، وإذا زاد على هذا سخط، وقال: هذا تبذير أو قال: سوف تقتلوني بالتخمة ولهذا كنا نول له عند صحوه «هل تريد المعلوم» فيضحك لأن تعليماته تشبه الأمر العسكري. يصلي العصر في وقتها فيقرأ ما تيسر من مجلة أو كتاب «قرأ خلال إحدى الرحلات مجلة روز اليوسف وبقي يقرؤها أكثر من أسبوع، وعندما اشتيرنا العدد الذي يليه غضب وقال: بأننا نبذر، إذ كيف نشتري عدداً آخر قبل إكمال قراءة ما سبق، وكتاب الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية لخليل عبدالكريم والقصة العالمية ذهب مع الريح لمارجريت ميتشل. والحقيقة أنه كان سعيداً بقراءته لهذه القصة فقد كان منفعلاً معها ويروي كلما توقف جزءاً مما قرأ خاصة بعد ما علمه من سيرة حياة الكاتبة ومأساتها». قبل غروب الشمس بنصف ساعة يأخذ عصاه - وهذه لا ترافقه إلا في هذا الوقت - لينفذ برنامجه المعتاد وهو المشي؛ إذ يسير في الشوارع المحيطة بالحي وفي حدود ثلاثة كيلو مترات، يعود منه بعد الغروب ليشرب كأساً من الحليب ويذهب للنوم بعد صلاة المغرب. وينهض بعد ساعة يطالب بالمعلوم وينادي هل من مبارز؟ هل من مساجل؟.. وهكذا.. وقد اعتاد أبو سهيل على أن يساجل من يبدي استعداده في مثل هذا الوقت، والمساجلة عدارة عن مبارزة بالمحفوظاتمن الشعر، كأن يبدأ الأول ببيت من الشعر يليه الثاني ببيت آخر يبدأ بآخر حرف من البيت السابق. وإذا توقف أحدهما يعني هذا أنه منهزم، كما أنه يرتدي «معطفاً» في الشتاء يقول إنه اشتراه من إيطاليا أيام الحرب العالمية الثانية أي منذ ما قبل خمسين عاماً، ولديه حقيبة يدوية يضع فيها جواز سفره وتذكرته وما خف وزنه، يذكر أنها معه منذ عشرين عاماً وقلم حبر له أكثر من ربع قرن، وحذاء ينتعله منذ ما يقارب العشر سنوات. جاء يوماً مستبشراً فقال لي إن السائق الفلبيني رآه وهو يمشي كالمعتاد عند الغروب بالرياض فسأله عن عمره فقال «90» سنة فسأله مرة أخرى، وهل كل يوم تطبق هذا البرنامج، فقال له نعم فقال: أبشر سوف تعيش على الأقل عشرين سنة قادمة. وطبعاً كان حتى قبل سنتين هو الذي يقود سيارته بنفسه - ولكنه عاد في إحدى الليالي من السهر مع أصدقائه، وكان هناك كمية من الرمل في الشارع في ظل عمارة لم تكتمل، وكان يظنها ظل العمارة ولهذا اصطدم بها بقوة وتأثر صدره إذ ارتطم به مقود السيارة. وعدناه في المنزل مع الدكتور يحيى بن جنيد الساعاتي وأقنعناه بضرورة وجود سائق خصوصي، وأن مسبح رعاية الشباب الذي يزاول من خلاله برنامجه ظهر كل يوم بعيد عن منزله. ولهذا اقتنع وصار ما صار. كان يحضر النقاش أيام معرض الكتاب في القاهرة مع بعض الأصدقاء، فإذا رآه جاداً أو رأى فجوة قال: لماذا تكونون هكذا تتحمسون وجادون؟ روحوا عن قلوبكم بعض الشيء دعوني أقص عليكم إحدى القصص. ويبدأ سبحونته بهذه اللازمة «كان سلمك الله..» ويكرر كلمة سلمك الله كلما نسي جانباً من جوانبها، ويستمر من قصة إلى قصة على نمط ما هو موجود في الأساطير الشعبية، أو قصص قصيرة لا تخلو من النكتبة أو الطرفة أو المثل الضاحك *أو الحكمة حتى وهو في جلسة طعام يحادث المجموعة ويسليهم. وإذا قيل له: لماذا لا تأكل؟ قال: أنا حويصلتي صغيرة لا تستوعب إلا ما تستوعبه حويصلة العصفور، ثم إنني نباتي. وهو نحيل فلو قدرت وزنه لما كاد يتجاوز أربعين كيلو جراماً، وهو لا يضع العقال على رأسه إلا في المناسبات التي يحضرها كبار المسؤولين. فأول مرة رأيته فيها يلبس «البشت» كان في حفل أقامه مركز الأمير سلمان الاجتماعي بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن يوم الخميس م1/10/1998 إذ كُرم مع الأساتذة حمد الجاسر وعبدالله بن خميس وحسين عرب وعبدالعزيز التويجري وعبدالله شباط كرواد للأدب والصحافة، وقد اختصر كلمته المخصصة له بخمس دقائق بما لا يزيد على الثلاث وعندما قلت له هذه قصيرة قال: إن الذي قبلي استحوذ على نصيبي من الوقت. قبل عدة سنوات أراد بعض ضيوف الجنادرية زيارته فرافقتهم إلى منزله وهم الأساتذة: سيف الرحبي الشاعر العماني وعبدالعزيز السريع أمين عام جائزة أبابطين وعبدالصمد بالكبير صاحب عيون المقالات بالمغرب وأبو قطيف وأبو كامل من القطيف وعبدالله شباط والدكتور أبو بكر باقادر وغيرهم. وكان على علم بزيارتهم، فبعد تقديم الشاي والقهوة، خرج ليعود متأبطاً مجموعة من كتبه أو الحديث منها أو أي كتاب يكون أحدهم طلبهُ فيقدمه لكل منهم.. وإذا «تلقفت» وطلبت منه أن يكتب عليه كلمة إهداء للضيوف قال: الكتابة مثل هذه تتعبني فلهذا أنت أكتب وأنا أوقع، فينتهي الموقف بنكتة ثم ضحكة مشتركة. والجهيمان يكره المتملقين والمنافقين والمدعين ويرثي لحالهم. وإذا عرف أن أحدهم في مكان معين يعتذر عن الذهاب إليه بدعوى أنه مرتبط بموعد مسبق، إلى جانب حبه للطيبين الصادقين، عندما كان الأستاذ عبدالعزيز مشري في المستشفى التخصصي بالرياض قبل سنتين وفي إحدى زياراتي له وعند الوداع قال لي: أتمنى أن أرى الأستاذ عبدالكريم الجهيمان وأن تلتقط لي معه صورة، وعندما نقلت رغبة المشري لأبي سهيل أبدى ترحيبه الكامل وذهبنا إليه، وكانت سعادتهما لا توصف وهما يناقشان الضايا والمشكلات الاجتماعية والمصور يلتقط لهما الصور؛ وكان أبو سهيل يتحاشى أن يحدث المشري عن أمراضه بل يشد من عضده ويشجعه ويشيد بكتاباته ويشكره على استمراره رغم معاناته. صادف في معرض الكتاب بالقاهرة في العام الماضي أن التقينا بالأستاذ أحمد الفلاحي الملحق الثقافي لسلطنة عمان بالقاهرة سابقاً والذي عرفته منذ تسع سنوات في معرض الكتاب بالشارقة وسرعان ما توطدت صداقتنا واستمرت، ورأى أبا سهيل يتهادى بعكازته الهوينا، عرفته به باسم «هذا تاريخنا الذي يمشي على قدمين» وعرف نتفاً من مآثره ومؤلفاته وتاريخه الناصع إذ سريعاً ما قبل دعوتي بعد قفل المعرض مساءً لزيارتنا بالمنزل فطلب فسحة من الوقت للذهاب للفندق لإحضار «كاميرته» لأخذ صورة معه. وهكذا أحضر أبو فلاح «الكاميرة» وبدأ يلتقط لنا صديق آخر بعض الصور وأبو سهيل بالمنامة «البيجامة» فقلت له: ألا يحسن بك أن تلبس ملابس تليق بك لأخذ الصور، فأجاب: إنه يريد تصويري وليس تصوير ملابسي. وهو لا يحب أن يشرب الماء أو العصير أو غيره بالكأس القصيرة، بل يحب أن يشربه بكأس طويلة ويقول: أما تعرف قول الشاعر: فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم تلك لقطات قصيرة ماتعة من حياة طويلة حافلة بالعطاء والمواقف النبيلة والروح اللماحة المرحة، رغم كل الصعاب، لهذا الرائد الكبير.

- المصدر: مجلة النص الجديد.

بواسطة : admin
 0  0  3.5K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:39 مساءً الخميس 25 أبريل 2024.