• ×

09:59 صباحًا , الجمعة 29 مارس 2024

وثائق لتاريخ مرحلة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
بقلم: د.محمد بن عبدالله آل زلفة - عضو مجلس الشورى

عبدالكريم الجهيمان اسم لامع لعلم بارز من أعلام الثقافة والفكر في بلادنا، من منا لا يعرف عبدالكريم الجهيمان رائد من رواد الثقافة في المملكة وفارس من فرسان الكلمة الواضحة والصريحة وباحث ميز نفسه بطرقه لفن لم يطرقه أحد من قبله ولا أعتقد أن أحداً طرقه غيره من بعده وأعني بذلك كتابه الذائع الصيت «أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب» ويقع في خمسة أجزاء. إن هذا العمل الذي تجاوزت شهرته المحلية والإقليمية إلى العالمية يكفي لوحده أن يجعل الأستاذ الجهيمان واحداً من أبرز علماء الجزيرة العربية، ثم أردفه بعمل آخر يعد رصيفاً لسابقه وهو «الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب» ويقع في عشرة أجزاء إنه عمل موسوعي لا يقدر على جمعه وعمله إلا من هو في مستوى عبدالكريم الجهيمان مقدرة ودراية وصبراً وجلداً فأصبح عمله الموسوعي هذا مرجعاً لا يستغني عنه كل باحث وكاتب في أي مكان من البلاد العربية وغيرها في مجال الأمثال. هذا بالإضافة إلى أعماله الكثيرة الأخرى من أبرزها «أين الطريق»، و«آراء فرد من الشعب» وهذا الزخير الذي خرج في مطلع الثمانينات الهجرية الستينيات الميلادية كان قد استقبل باحتفائية كبيرة من قبل القراء وكنت ورفاق سني صغاراً نقرأ للكبار وكان هذا الكتاب من الكتب التي كنا نتداولها حيث لم يكن بميسورنا أن يشتري كل منا نسخته الخاصة به، من ذلك الكتاب تعمقت صلتنا بمعرفة الأستاذ عبدالكريم الجهيمان قراءة لا مشاهدة ولم أتمكن من مقابلة الأستاذ الجهيمان إلا بعد تلك الفترة بأكثر من ثلاثين سنة في منزل أحد الأصدقاء ثم في مجلس من مجالس سمو الأمير بدر بن عبدالعزيز في إحدى مهرجانات الجنادرية.. وكنت سعيداً بالحفاوة التي منحها سموه لهذا الأديب الرائد، وأذكر أنني أبديت لسمو الأمير عن مدى سعادتي بذلك الاحتفاء من لدن سموه بذلك الرائد وسمو الأمير بدر من المعروفين باحتفائه بالأدباء وحرصه على متابعة أخبارهم ودعمهم معنوياً ومادياً فكان لسموه تعليقاً طويلاً ذكر حرصه الشخصي على السؤال الدائم عن الأستاذ عبدالكريم. خرج علينا الأستاذ عبدالكريم بكتابه «رسائل لها تاريخ» ولعله أحدث كتبه وأرجو ألا يكون الأخير في طبعته الأولى 1418هـ 1997م ويقع في 340 صفحة من الحجم المتوسط، هذا الكتاب مهم في مضمونه ومحتواه فهو في الواقع يضم بين دفتيه رسائل تلقاها المؤلف من بعض معاصريه أو خطابات رسمية تتعلق بالحياة الوظيفية للمؤلف ولا أظن أن هذا كل ما تحتوي عليه أضابير أو ملفات شيخنا الجهيمان وربما أنه قصد انتقاء ما قام بنشره في هذا الكتاب وربما ما زال البعض ينتظر الوقت المناسب للنشر وأرجو أن أكون محقاً في اعتقادي بأنه ليس كل هذا ما تحتوي عليه ملفات الشيخ الجهيمان. وإذا كان ما نشره المؤلف من رسائل هي غالية عليه وأثيرة عنده وحافظ عليها «أكثر مما يحافظ الرجل البخيل على درهمه وديناره» المقدمة ص5. فإنها بالنسبة لنا العاملين في حقل التاريخ غالية جداً وهدية ثمينة يقدمها الشيخ الجهيمان إلى جيل هو بأشد الحاجة إلى معرفة أحوال حياةالجيل السابق الذي ينتمي إليه الأستاذ الجهيمان وأبطال باعثي الرسائل إليه ومما زاد من أهمية هذه الرسائل بالنسبة للمؤرخة إذ يبدو أنها أعدت خصيصاً له قبل غيره بأنها جاءت متسقة تماماً مع المنهج العلمي الذي يتبعه المؤرخون في نشر الوثائق، حيث أورد النص الأصلي للوثيقة كما هي مكتوبة بخط كتابها أو مطبوتة على الآلة الكاتبة تم طبعها طبعاً نظيفاً في الصفحة المقابلة لكي يسهل قراءة الوثيقة على من لم يتعود على قراءة الوثائق بخط كاتبيها، فجاءت هذه الرسائل مكتملة شروط التوثيق. بدون شك أن هذه الطريقة تضاعف من حجم العمل ويترتب على ذلك زيادة تكاليف الطبع الذي يحمل وزر هذه التكاليف المؤلف نفسه ومن المؤكد أن الأستاذ الجهيمان ليس حالة مستثناة من تحمل تكاليف الطباعة. ثم ما يلاحظ على هذه الرسائل أنها تعكس صدق وصراحة ووضوح من تعنيه وهو المؤلف نفسه وبخاصة ما يتعلق بالحياة الوظيفية للمؤلف وما تعرض له من بعض الإشكالات التي قادت إلى استدعائه للمثول أمام هيئات ولجان للتحقيق معه في قضايا تتعلق بحياته الوظيفية ولو أنه لم يوضح طبيعة الظروف التي قادته إلى لجان التحقيق وهو بهذا يترك للمؤرخ في المستقبل البحث في أضابير تلك الدوائر عن طبيعة تلك الظروف والملابسات، مثل ما نفعل نحن المؤرخين الآن مع شخصيات بارزة تولت مناصب ومهام رسمية في بلدنا خلال القرن التاسع عشر وتعرضوا للمثول أمام لجان التحقيق ولقد تيسر لي الاطلاع على عدد من ملفات عدد من هؤلاء في ملفات الأرشيف العثماني أثناء دراستي لبعض حياة هذه الشخصيات التي كانت مجال جدل. ما أعتقد أن الأستاذ عبدالكريم الجهيمان وهو ينشر هذه الرسائل قد أخذ في حسبانه أنها موجهة في الدرجة الأولى إلى المؤرخين المهتمين بتاريخ الإدارة والتعليم والقضاء والصحافة في بلادنا ولو كان يدرك ذلك أو ربما أدركه ولكن لا يريد أن يقحم نفسه في قضية هي مسؤولية المؤرخين - لزودنا بتعريف مختصر لكل شخصية من الشخصيات البارزة والهامة التي وردت أسماؤها في رسائله. ولعله حاول كما توقعت في ص213 حينما أراد أن يتذكر شيئاً عن السياسي والمؤرخ العراقي المشهور أمين المميز الذي عمل سفيراً للمملكة العراقية في المملكة في فترة من أهم الفترت التي شهدت فيها العلاقات السعودية العراقية توتراً سياسياً وذلك خلال سنوات أزمة خلف بغداد، وألف المميز كتاباً جميلاً عن المملكة أثناء عمله بها وطاف بأنحاء البلاد فجاء كتابه شاملاً لكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، فنجد أن المولف فشل في شحذ ذاكرته للتعريف بهذا السفير المميز المتميز. إن هذا الكتاب حمل لنا نصوصاً مكتوبة بأيدي وبخطوط رجال مشهورين أو شعراً بارزين مثل حسين سرحان الذي ربما يعز على كثير من محبي شعره التعرف على نماذج خطه بيده، وكذلك معرفة خط الشيخ والأديب والوزير محمد سرور الصبان ص 190 وتواقيع شخصيات بارزة في ذلك الزمن مثل وزير المالية عبدالله السليمان ومدير المعارف محمد بن مانع وغيرهم إنه بحق يعد كتاباً وثائقياً متميزاً في حقله. إن هذا الكتاب الوثائقي يعد شاهداً على فترة هامة من تاريخ بلادنا في المواضيع التي تعرضت لها تلك الرسائل ويزيد من أهميته أنها قليلة تلك المحاولات في مجال نشر نصوص لوثائق تلك المرحلة أو المراحل التي سبقها أو التي تلتها والدول دائماً تحرص على نشر وثائقها بعد مضي فترة تحددها لكي تصبح معيناً يستقي منه المؤرخون وتضمن بذلك حفظ تاريخها من الضياع إذا ظلت وثائقه غير منشورة وما قد يحدث لها من ضياع زو تدمير في الأحوال غير الطبيعية أثناء الحروب أو حدوث الكوارث الطبيعية مثل البركان والزلازل والحريق وغيرها. وأحب أن أشير ونحن في هذا الصدد إلى أن الأعوام الأخيرة الماضية شهدت حركة نشر لوثائق أشخاص لهم مكانتهم في الساحة الفكرية والأدبية لهذه البلاد أي لم يكن الأستاذ الجهيمان السباق في هذا الميدان فلقد سبقه الشيخ المؤرخ والشاعر والأديب محمد أحمد العقيلي مؤرخ جازان وأديبها فقد نشر عدداً كبيراً من رسائل معاصريه إليه في مجلدين كبيرين بعنوان محمد أحمد العقيلي، في رسائل واستطلاعات معاصريه طبع في عام 1414هـ - 1994م في مطابع جازان. وكذلك رسائل الشيخ محمد نصيف مؤرخ الحجاز وأديبها وفقيهها وعالمها الجليل الذي أُلف عنه كتاب ضخم عن حياته وآثاره يعد وحداً من أوفى ما كتب عن هذا العلامة وإن لم يكن كل شيء عن حياة عالم عاش ما يقرب من قرن حافلاً بالعطاء في كل المجالات الأدبية والفكرية والعلمية. ضم هذا الكتاب كماً هائلاً من الوثائق والمراسلات بينه وبين علماء عصره ليس في المملكة فحسب بل في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، فكان الكتاب جله إن لم يكن كله يعتمد على الوثائق التي نشرت بنصوصها فأصبحت سفراً هاماً ينهل منه الباحثون والمؤرخون كل في مجال اهتمامه واختصاصه طبع هذا الكتاب في بيروت عام 1414هـ ويقع في حوالي 700 صفحة. أما الكتاب الثالث الذي اعتمد على الوثائق ونشرها بنصوصها فهو ذلك الكتاب الذي أعده أبناء الشيخ الشغدلي أحد أبرز علماء وقضاة حائل في عهد الملك عبدالعزيز وضم الكتاب كثيراً من نصوص الرسائل المتبادلة بين الملك عبدالعزيز والشيخ الشغدلي الذي تولى القضاء في حائل في عهد الملك عبدالعزيز. فأسدى بذلك أبناء الشيخ الشغدلي خدمة للتاريخ الحديث والمعاصر لبلادنا في فترة التأسيس فجاء سجلاً تاريخياً حافلاً بوثائق ما كان بالإمكان الحصول عليها أوالوصول إليها لو لم يقم ورثته بنشرها. وفي ختام هذه الإطلالة السريعة على كتاب الأستاذ الفاضل عبدالكريم الجهيمان لم يكن القصد أن نقوم بدراسة تقويمية للكتاب، فالكتاب في مضمونه ومحتواه يتحدث عن نفسه لأنه يورد نصوصاً موثقة بل هي الوثيقة نفسها لا تحتاج إلى من يحاكمها أو يرضخها لأي نوع من أنواع التغييم، عدا ظروف تلك المواضيع التي تعالجها تلك الوثائق فهذا ما سيقوم به المختصون في التاريخ إذا ربطوا الأحداث بظروفها في ضوء ما تقدمه لهم تلك الوثائق.. وما أحوجنا إلى المزيد من نشر وثائق الشخصياتالعامة حتى مهما كانت بساطة ما تعالجه من مواضيع فإنها للمؤرخ تعني شيئاً له قيمته وفائدته. وما أحوجنا إلى أن تقوم الشخصيات العامة التي تولت مهام رسمية إلى كتابة مذكراتها حيث يلاحظ قلة الذين كتبوا مذكراتهم من الرسميين السعوديين ففقدنا بذلك إطلالات على فترات تاريخية من خلال مذكرات الشخصيات الهامة التي شاركت في صنع أحداث تلك المراحل والفترات. وهذا لا يعني أن كل من كتب مذكراته بأنها من منظور العاملين في حقل الكتابة التاريخية وثيقة تاريخية مسلمة ولكنها تظل عملاً لا يخلو من فائدة. والله ولي التوفيق..


بواسطة : admin
 0  0  2.2K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:59 صباحًا الجمعة 29 مارس 2024.