• ×

04:05 مساءً , الإثنين 7 أكتوبر 2024

عبدالكريم الجهيمان وقرن من العطاء (1)

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

بقلم: محمد عبدالرزاق القشعمي مدير الشؤون الثقافية -
مكتبة الملك فهد الوطنية الرياض

لعله من المناسب أن نتذكر أحد الرواد البارزين وممن حمل مشعل التنوير بحماس منذ بدء توحيد المملكة العربية السعودية قبل سبعين عاماً من الآن، وتأتي هذه الإشارة بمناسبة اختيار الأستاذ عبدالكريم الجهيمان الشخصية الأدبية المختارة، لتكريمها بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة السادس عشر المقام بالرياض 1421هـ، 2001م وتقليده وسام الملك عبدالعزيز من راعي المهرجان سمو ولي العهد ورئيس الحرس الوطني وفي حفل الافتتاح 22/10/1421هـ 17/1/2001 - نيابة عن الملك. والجهيمان لمن لا يعرفه تجاوز التسعين من عمره منذ سنوات ويحتفظ بحواسه بشكل جيد وله نظام يومي صارم رغم تقشفه وزهده في المأكل والمشرب والملبس. إلا أن برنامجه الرياضي لا يخل به منذ سنوات عشر على الأقل فهو مواظب على الذهاب للسباحة صباحاً والمشي قبل الغروب مساءً لمدة لا تقل عن ساعة في سفره وإقامته. وزياراته لأصدقائه ومواظبته على السهر ليلاً مع بعض رفاقه المسنين فبعد تجاذب أطراف الحديث بكل جديد يختتمون سهرتهم بلعب الورق «بلوت أو كنكان» إضافة لكتابة مقال أسبوعي بجريدة الجزيرة تحت عنوان «أحداث وأحاديث» وآخر مؤلف أصدره قبل ثلاث سنوات «رسائل لها تاريخ - من شخصيات بارزة في المجتمع» وكان قد أصدر في بداية عمله معلماً في مدرسة تحضير البعثات والمعهد السعودي بمكة المكرمة عام 1353هـ - 1933م. مجموعة من المقررات المدرسية في الفقه والتوحيد والتهذيب والمطالعة وفي العام التالي 1934م أصدر كتاب صغير باسم «محاورة بين ذي لحية ومحلوقها». بعد أن قضى قرابة عقد ونصف في التعليم سافر مع أحد طلابه «الأمير يزيد بن عبدالله بن عبدالرحمن» إلى مصر ففرنسا وإيطاليا وهوندا وبلجيكا لمدة تقارب السنتين مما فتح مداركه، ويحدث هذا السفر في حياة أبي سهيل تحولاً كبيراً فنراه يقول في مذكراته «ص162 - 164» وقد أحدث هذا السفر إلى مصر بالنسبة لي خاصة تحولات في تفكيري الاجتماعي وعرفت كثيراً من الشخصيات البارزة في الدولة.. وبما أن هذه السفرة هي أول سفرة في حياتي خارج بادي فقد رأيت فيها الكثير من الأمور التي منها ما أحببته ومنا ما كرهته.. فقد خرجت من مجتمع محدود يعيش عيشة محدودة.. عيشة الكفاف والعفاف وإذا بي في أيام قلائل أرى نفسي في مجتمع يموج بمختلف التيارات والرغبات والصراع في سبيل العيش بين الكبار والصغار والفقراء والأغنياء.. وبالجملة فقد استفدت مما سمعت واستفدت مما رأيت.. وعرفت مسالك الخير ومسالك الشر في هذا المجتمع الجديد الذي شاهدته فكان الأول من نوعها في حياتي التي قاربت الأربعين عاماً. وقد تعرف على شخصيات كثيرة في باريس منهم المذيع الشهير في إذاعة برلين أثناء الحرب العالمية الثانية «يونس بحري» والذي قدم لكتابه الذي ألفه هناك باسم «ذكريات باريس» رغم أن الكتاب لم ينشر إلا بعد هذا التاريخ بثلاثة عقود. بعد عودته من السفر الطويل قرر أن ينهي علاقته بتلميذه ويواصل السفر والسياحة بدءاً من دول الخليج العربي ولهذا سافر إلى الدمام في المنطقة الشرقية لبداية المشوار وكانت في بداية نشئتها كمدينة حديثة بالقرب منمنشآت النفط المكتشف حديثاً، وما أن حل ضيفاً على زميله السابق عبدالله الملحوق والذي سبق أن أسس أول مطابع بالمنطقة «شركة الخط للطباعة والنشر بالمنطقة الشرقية» مع بعض الأشخاص وقد عرض عليه العمل معهم بل وإدارة المطابع لخبراته التي اكتسبها من سنواته بالخارج، فقبل على سبيل التجربة فيقول في مذكراته ص175 - 177 «...وأرسلنا برقية باسم مطابع الخط إلى ولي العهد سعود الذي كبر والده الملك عبدالعزيز.. فصار يتولى جميع شؤون البلاد.. ولا يعرض على والده إلا ما يسره ويبهج خاطره..» وجاءت الموافقة من سموه بإصدار جريدة باسم «أخبار الظهران».. «وصدر بعض أعداد هذه الجريدة في بيروت لأن مطابع الخط لم يكن لديها الاستعداد آنذاك لإصدارها.. أي طبعها.. فكنا نرسل المواد كاملة إلى بيروت.. مقالاتها وأخبارها وإعلاناتها.. وبعد فترة قصيرة تولينا إصدارها من الدمام نصف شهرية مؤقتاً.. وكانت بدايتها ضعيفة هزيلة كأي بذرة توضع في التربة.. وكأي عمل ينشأ من جديد.. ثم إنها كانت صحيف تصدر في هذه المنطقة التي انتقلت أكثر مدنها من طور القرى إلى طور المدن.. ثم إن أكثر القاطنين فيها هم عمال في شركة أرامكو.. ولكن أخبار الظهران بدأت تنمو وتكبر ويتسع توزيعها ويكثر قراؤها شيئاً فشيئاً.. لما يلمس القارئ فيها من صراحة في القول وإخلاص في علاج الكثير من المشكلات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ولهذا فقد كانت موضع الثقة من الحكومة ومن المواطنين على حد سواء وظهر بين هؤلاء العمال كتاب ومفكرون صاروا يمدون هذه الصحيفة بألوان من البحوث والمقالات المليئة بالوطنية والإخلاص.. والجرأة في بعض الأحيان.. وقد اكتسبت من رئاسة تحرير هذه الصحيفة مكسباً معنوياً كبيراً.. وكانت نقلة جديدة في حياتي الوطنية والفكرية.. حيث كان يرد إلى هذه الصحيفة مختلف الآراء والاتجاهات التي منها ما يكون متزناً.. ومنها ما يكون مندفعاً ومتهوراً.. ومنها ما يكون مدسوساً فيه بعض الأفكار التي لا تتناسب مع محيطنا ومجتمعنا المحافظ الذي تسوده قيم وأخلاق توارثها الخلف عن السلف.. فإذا تجاوزها إنسان اعتبر شاذاً. فالحقيقة بنت البحث كما يقول المجربون في حكمهم التي طلقونها في مجتمعاتهم.. وسارت الصحيفة على هذا المنوال حتى أصبحت موضع ثقة واحترام الجميع.. وكنت بصفتي مسؤولاً عن هذه الصحيفة.. ومسؤولاً عن جميع ما ينشر فيها.. كنت أنخل ما يرد إلي من بحوث ومقالات وأخبار فأعرف منها مختلف التيارات التي تعيش في المجتمع أو يعيش فيها المجتمع أو بعض فصائل المجتمع..» كم يقول أيضاً: «ولكن بعضالمواطنين يطالبوننا بحرية واندفاع إلى الأمام أكثر مما نحن عليه سائرون.. بل يريدوننا أن نقفز في درجات سلم أهدافنا قفزاً.. فنحاول أن نفهمهم بأن القفز قد يعرض إلى السقوط وأن الاتزان هو الطريق الأسلم والأحكم..». ومع هذا التشدد في الحذر والاتزان إلا أنه لم يسلم ففي نهياة السنة من عمر الصحيفة 1376هـ - 1956م يصله مقال يطالب بتعليم البنات ورغم أنه لا يعرف كاتبه إلا أنه يؤيد ما جاء فيه ولهذا نشر المقال وتحمل مسؤوليته بكل شجاعة وقالوا إما أن تدلنا على كاتبه أو تتحمل مسؤوليته، أفلا تعلم أن الدعوة لتعليم الفتيات أمر سابق لأوانه، ولهذا يقول في مذكراته ط2 ص180 «...وكانت النتيجة أن أوقفت عن العمل... وأوقفت الصحيفة عن الصدور... وأوقف رئيس تحريرها في غرفة منفردة طولها مثل عرضها أربعة أمتار تقريباً في أربعة وفيها شباك واحد قد أغلق وأحكم إغلاقه.. وضرب في جوانبه الأربعة عدة مسامير، وقد بقي مسجوناً واحداً وعشرين يوماً ولم يشعر ذات يوم إلا بالجندي يفتح له الباب فجأة ويقول له خذ فراشك واذهب إلى أهلك». ويقول فاسيلييف في «تاريخ السعودية» ط1 دار التقدم 1986م ص415 - 416 كانت صحيفتي «الفجر الجديد» و«أخبار الظهران» تنشران مقالات تنتقد الحكومة علناً أو بشكل غير مباشر. وقد اعتقل صاحب امتياز «الفجر الجديد» ورئيس تحريرها يوسف الشيخ يعقوب والصحفي أحمد الشيخ يعقوب، وأغلقت الصحيفة. كما اعتقل رئيس تحرير «أخبار الظهران» عبدالكريم الجهيمان وجلد قبل إيداعه السجن. وهذه المعلومات يستقيها من «أم القرى» 1965/7/23م «الوقائع العربية» بيروت 1965م، عدد ٣ ص362. إذاً فالأستاذ عبدالكريم الجهيمان يعد رائداً بحق للصحافة والطباعة بالمنطقة الشرقية مثل ما يطلق على صديقه ورفيق دربه علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - رائداً للصحافة والطباعة بالمنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية. عاد للرياض بعد الإفراج عنه ليعمل مديراً للتفتيش بوزارة المعارف بعد إنشائها وكان وزيرها آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز - خادم الحرمين الشريفين بعد ذلك - ويصدر مع مجموعة من الأدباء بالوزارة مجة «المعرفة» ثم يطلب وزير المالية والاقتصاد الوطني الأمير طلاب بن عبدالعزيز استعارة خدماته من وزارة المعارف ليصدر مجلة «المالية والاقتصاد» شهرياً هذا إلى جانب مشاركته لصديقه حمد الجاسر بالإشراف على صحيفة «اليمامة» أثناء سفراته المتعددة والكتابة تحت عنوان «أين الطريق؟». وكذا كتاباته المستمرة والمشاركة في إدارة صحيفة القصيم التي كانت تصدر بمدينة الرياض إلى جانب اليمامة. فكان يكتب بالقصيم تحت عنوان «مع الزمن» في الصفحة الأولى وفي الصفحة الأخيرة «المعتدل والمايل» وغيرها من المقالات الأخرى ونجد أن الشيخ عبدالله بن خميس يستعين به للإشراف على مواد مجلته «الجزيرة» ويقول في مذكراته ص199: «..وكل تلك المقالات، ونيابة التحرير لا نأخذ عنها أي مقابل مادي، وإنما نقوم بها على أنه واجب وطني وكان جميع الكتاب من أمثالي في تلك الفترة لا يأخذون أي مكافأة على ما يكتبون.. فليس هناك كتاب محترفون وإنما هم كتاب وطنيون متطوعون.. هدفهم الصالح العام.. لوطنهم ولمواطنيهم.. وخدمة لحكومتهم الفتية..». ويقول: إنه يتبع سياسة في كتاباته فيقول: «..لدي فلسفة خاصة استفدتها من تراثنا الماضي وهي: إذا أردت لكتابتك أن تكون مؤثرة وتؤدي إلى المطلوب.. فيجب أن تكون حارة جداً أو باردة جداً.. إما أن تكون فاترة.. فهذا هو الشيء الذي لا قيمة له.. وهو يمر غالباً دون أنيحس به أحد ولن يكون له أدنى تأثير». لقد عرفت الرجل خلال العقد الأخير ورافقته في السفر والحضر مرات عديدة وكان يعاملني كصديق بل كأحد أنبائه وكنت أقول له أنت في كفاحك ودورك النهضوي في تحريض المجتمع على العمل المتواصل ومواكبة المجتمعات المتحضرة وكأنك تردد المثل القائل: «أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام» فيرد علي بالكلام المأثور: «حب الوطن من الإيمان» فأرد: بأنك جزء منه فلم أر من يحب وطنه مثلك. وتحمل بسببه الكثير من المشاق والمتاعب. فأنت علمتنا أن الإنسان بلا هدف بلا قضية بلا اهتمام بالشأن العام هو إنسان هامشي.. لقد تتبعت خطاك ووقفت على كل الخطوط المتفرعة بدءاً من بداياتك الصحفية ثم مؤلفاتك والجوانب التي كانت تشغل تفكيرك وتقض مضجعك وهو ترسم الطريق الصحيح وتوخي الحذر والبعد عن المزالق والطرق المظلمة. فيرد علي وهو ضاحك: بلاش فلسفة.. أنا قدمت ما أستطيعه وأنتم الجيل الجديد عليكم البقية. فنحن في سباق مع الزمن، أو سباق التتابع كل متسابق يسلم العصى لمن يلحق به لمواصلة الطريق... والآن وأنا أهنئه بحفلة التكريم التي تقام له وهو يخطو نحو الخامسة والتسعين من عمره وأدعو له بطول العمر أقدم له نسخة من كتابه «الأساطير الشعبية من قلب جزيرة العرب» بعد ترجمتها للغة الروسية مؤخراً حيث قام أستاذ اللغة الروسية بكلية اللغات بجامعة الملك سعود بالرياض البروفيسور شاه رستم بترجمتا. فيرد علي ما قلت لك: إن أكثر من يشتريها «الخواجات» كما يقول الموزع رغم أنها هي التاريخ الصحيح.. فأعود إلى الجزء الأول من تلك الأساطير في طبعتها الخامسة وهي قد صدرت بخمس مجلدات لأجده يهديها «إلى الأجيال القادمة أهدي هذه الألوان من الأساطير التي سوف يستشف القارئ من خلالها كيف كان الآباء والأجداد يفكرون.. وكيف كانوا يحلمون.. وما هي أهدافهم وأمانيهم في الحياة.. وكيف كانوا يتعاملون وكيف يتخاصمون. وكيف يتصالحون..» «كل هذه الألوان.. وألوان أخرى غيرها في الادات والتقاليد والأفكار سوف يجدها القارئ الكريم في تضاعيف هذه الأساطير.. التي أهديها إلى القارئ العربي في كل مكان!!». ويقول في المقدمة «لم يكن عند آبائنا وأجدادنا صحف ولا مجلات.. ولا راديو ولا إذاعات.. وليس لديهم سينما ولا منتديات.. وبالجملة فليس لديهم أي لون من ألوان التسلية البريئة المعروفة في هذا العصر بحيث يملأون بها أوقات فراغهم على قلتها: فقد كانت حياتهم كلها منصبة على العمل.. على الركض في سبيل لقمة العيش التي لم يكونوا يكسبونها إلا الجهد والعرق ولم يكونوا ينالونها في بعض الحالات إلا انتزاعاً من أفواه الوحوش.. أما أوقات فراغهم - على قلتها - فإنهم كانوا يقضونها نهاراً في الراحة أو بعض ألعاب القوى.. وأما الفراغ في الليل فقد كانوا يقضونه في الحكايات والأساطير التي يصوغون فيها أحلامهم وأمانيهم ويحلقون بها في أجواء السماء.. وينطلقون بها إلى شتى أقطار الأرض.. وكانت لتلك الأساطير والقصص مقام كبير لديهم كما أن لها أهدافاً كثيرة.. فهي أولاً - تمكن الدارس الاجتماعي من دراسة أحوال المجتمعات الماضية من خلال هذه الأساطير.. ما هي مشاكل هذه المجتمعات. وكيف يفكرون.. وكيف يعالجون مشاكلهم.. وما هي أحلامهم وأمانيهم في الحياة.. وكيف يتعاملون.. وكيف يتخاصمون.. وكيف يتصالحون.. وما هي الأسس التي تقوم عليها علاقات بعضهم ببعض.. وإذ اختلت بعض هذه الأسس.. فكيف كانوا ينظرون إلى هذا الخلل وكيف كانوا يعالجونه. ثم من ناحية ثانية فإن أحلام الماضي صارت حقائق هذا الزمان.. ولولا أحلام الماضي في نظري لما صارت حقائق الزمن الحاضر.. ولولا الأفكار والتفكير في التطور والتطوير لما صار التطوير. وجمع هذه الأساطير وطبعها وتوزيعها سوف يكون له فائدة جلي لمن يريد أن يدرس أحوال المجتمعات الماضية من اقتصادية وسياسية واجتماعية كما أن في جمعها أيضاً ضرب من ضروب التسلية البريئة والتفكه المفيد، فالحياة ليست كلها جد.. والذي يأخذ الحياة على أنها جد متواصل هو في نظري إنسان معذب.. يعيش في هذه الحياة كالآلة الصماء التي تدور.. وتدور.. وتدور.. حتى يتكامل دورها في الحياة في أسرع وقت وأقصر.. ثم يرمي بها في سلة المهملات.. أو ترمى في أتون المحروقات.. ثم إن عظائم الأمور.. وحقائق الكون لا يصح أن تستبد بكل جهودنا عن صغائر الأمور.. وخيالات الأحلام فكم من حلم صار حقيقة.. وكم من أمر صغير دفع إلى أمور كبار.. وكم هزل قاد إلى جد.. وكم جد قاد إلى هزل.. والذي يأخذ الحياة على أنها حقائق وأعمال وجد متواصل قد يقف في منتصف الطريق فيكون كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرض قطع..».
بيروت في 5/6/1387هـ - 1967م وإلى جانب تلك الأساطير التي أصدرها قبل خمس وثلاثين سنة وطبع منها حتى الآن ست طبعات بخمسة مجلدات، أجده قد صدر عشر مجلدات أخرى تحت عنوان «الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية» ويشتمل على ما يقارب من عشرة آلاف مثل، فنجد في الطبعة الثالثة 1403هـ - 1983م. يهديها إلى الباحثين عن طبائع الأمم وأخلاقها.. إلى دارسي أحوال هذه الجزيرة والمتطلعين إلى معرفة طرائق تفكير أهلها، إلى الذين يريدون أن يتغلغلوا في طوايا نفوس سكان هذه البقعة من العالم.. فيعرفوا الجوانب الخيرة والجوانب الشريرة!!. إلى هؤلاء جميعاً أقدم كتابي هذا كمحاولة أولى لبلوغ هذه الأهداف.. المؤلف فيقول في مقدمة الطبعة الأولى 15/2/1383هـ - 1963م «... وقد اعتمدت في كثير مما دونته من القصص والأمثال والأشعار على النقل من أفواه الرواه كما أنني اخترت كثيراً من الشواهد الشعرية في مجموعات الأشعار النبطية المطبوعة، أو المحفوظة لدي.. والطريقة التي سلكتها في ترتيب هذه المعلومات هي أن آتي بالمثل الشعبي ثم أشرح ما فيه من الكلمات الغامضة على قراء العربية.. ثم أتطرق لمعناه والمجالات التي يستشهد به فيها.. ثم إيراد ما يماثله أو يقاربه من الأمثال العربية القديمة.. إذا وجدت وبعد هذا كله آتي بالشواهد في الشعر النبطي الذي يعج بالأمثال.. ويعج بالعواطف.. ويشتمل على كثير من تجارب الحياة التي صهرها الفقر.. وأحكمتها التجارب.. وجعل عودها صلباً كثرة الشدائد التي تمر على من يسكن في هذه الجزيرة العربية القاحلة الساحرة..»، «..ولقد لاحظت فيما لاحظت أن هذه الأمثال الشعبية وشواهدها من الشعر الشعبي تحوي من الروعة والجمال وإصابة الهدف والدقة في التعبير والأصالة في التفكير ما لا يقل عن الأمثال العربية القديمة والأشعار القديمة ولولا أن أتهم بالمبالغة أو المحاباة.. لقلت إن في الأمثال الشعبية والأشعار الشعبية ما يفوق بعض الأمثال القديمة والأشعار القديمة.. يفوقها أصالة ودقة في التعبير.. وقصداً إلى الهدف، ولا غرابة في هذا فإن التربةي التي أنبتت أولئك هي التي أنبتت هؤلاء.. ونفس التجارب التي كان يمر بها الأجداد الأقدمون هي نفس التجارب التي مر بها آباؤنا المحدثون. الأمثال صورة للحياة.. وإذاً فإن هذه الأمثال الشعبية تعبر تعبيراً صادقاً تارة بالتصريح وتارة بالتلميح عن مشاكل الحياة. وطرائق التفكير فيها.. وألوان العيش والمعاملات التي يمر بها ابن الجزيرة العربية في حياته اليومية. كما أن فيها من العواطف البشرية بحاراً زاخرة تعبر تعبيراً صادقاً عن السمو تارة.. وعن الإسفاف تارة أخرى. والإسفاف أو السمو هو طبيعة الحياة فليست الحياة كلها سمواً وطهراً ونقاءاً وليست كلها إسفافاً وانحداراً. ولكنها مجموعة منهذا أو ذاك معاً.. فهي تارة تكون سمواً وتارة تكون إسفافاً.. طوراً ترى فيها أدوار الملائكة يمثلها البشر.. وطوراً آخر ترى فيها أدوار الشياطين يقوم بها البشر أيضاً. وعلى هذا فإن هذه الأمثال يعرف منها جوانب حياتنا القريبة.. بل رب مثل واحد يفهم منه جانب هام من جوانب حياتنا المعيشية.. ومثل آخر يفهم منه جانب آخر.. وهكذا من بضعة أمثال يستطيع الدارس أن يكون فكرة صادقة محددة المعالم عن حياتنا ومشاكلنا.. وطرائق تفكيرنا.. في العهود المتأخرة. مجال البحث الواسع.. ولعل دارساً آخر يأتي بعدي فيرى في صنيعي هذا نقصاً في البحث والتحري والاستقصاء فيعمل كتاباً ثالثاً.. يسلك في تأليفه طريقاً فيه شيء من الطرافة والجدة والرونق لم تتوفر في مؤلفي ولا في المؤلفات السابقة. ويكون هذا دافعاً لباحث آخر يخرج لنا من هذه الكتب المتعددة المناهج مجموعة قد استهدفت كلما يتطلبه قارئ أو باحث.. هذا ولأكتم القارئ الكريم حقيقة واقعة وهي أنني لا أزال في كل مناسبة أجد كثيراً من الأمثال التي لم تسجل في هذا الكتاب تجري على لساني دون أن أشعر.. أو تجري على لسان أحد المتحدثين دون أن يقصد إليها فأبادر حالاً بتسجيل تلك الأمثال التي سوف أهتم بها وأضيفها إلى الطبعات القادمة.. الرياض 15/2/1383هـ إلى جانب اهتمام الرائد الجهيمان بالأساطير والأمثال الشعبية نجده يهتم بالرحلات فقد ألف كتابين هما «دورة مع الشمس» يسجل مشاهداته وملاحظاته قبل ربع قرن فهو قد سافر من الرياض من الغرب وعاد لها من الشرق فيقول في مقدمته: «...والأسفار والرحلات لها محاسن ولها مساوئ، ولكن محاسنها أكثر من مساوئها لمن أحسن التصرف، وبصر بمواطن الاستفادة، وعرف كيف يعاشر الناس، ويكسب ودهم واحترامهم، وكيف يأخذ من محاسن أخلاقهم وعاداتهم...» وقد قال الله سبحانه وتعالى في الحث على الأسفار: »أفلم يسيروا في الأرض« فالسفر يدعوا إلى التفكير والتدبر، واكتساب العلم والمعرفة والإحاطة بكثير من الأمور التي لا يعرفها المقيمون في ديارهم.. وقد حرصت على أن أسجل في هذه الرحلة ما أراه مفيداً للقارئ من عادات حميدة، أو اختراعات مفيدة، أو مظاهر غريبة تدعو إلى العجب أو الإعجاب فالفضل ليس مقصوراً على أمة من الأمم.. فكل أمة فيها محاسن وفيها مساوئ وفيها الخير وفيها الشر، وإنما تتفاضل الأمم بكثرة محاسنها وقلة مساوئها.. فإلى هذه الرحلة - أيها القارئ الكريم - لترى فيها ما رأيت.. ونسمع منها ما سمعت... كما كان قد أصدر مجموعة من الكتب جمع بها مقالاته التي سبق أن نشرها أو بعضها في الصحف وهي: - «دخان ولهب» مختارات من مقالاته في صحيفة أخبار الظهران. - «آراء فرد من الشعب» مختارات من مقالاته في صحيفة القصيم. - «أين الطريق؟» مختارات من مقالاته في صحيفة اليمامة. - «أحداث وأحاديث» مختاراتمن مقالاته في صحف مختلفة. إلى جانب تأسيسه لمكتبة أشبال العرب قبل عشرين عاماً وإصدارها للطفل العربي وصدر منها عشر قص حسب التالي: 1 - ابن الملك وأصحابه. 2 - الصائغ والسائح. 3 - الحمامة المطوقة. 4 - الناسك والقطة. ٥5 - الطاووس وابن آدم. 6 - البوم والغربان. 7 - ولد الغني الذي افتقر. 8 - كسرى ولغة الطير. 9 - الوصية العجيبة. 10 - الجن تحاكم أنسياً. ومثلها تأسيسه لمكتبة الطفل في الجزيرة العربية وإصداره عشر قصص أخرى هي: 1 - الرفيق الخائن. 2 - القطاة الساحرة. 3 - الغول ذو سبعة الرؤوس. 4 - الحطاب والكنز. 5 - عايشة وأم عايشة. 6 - بليبل الصباح. 7 - شامان وعمانان ومكية. 8 - اللقاط.. ابن اللقاط. 9 - بنت الغول. 10 - النبي سليمان مع الغراب. ولا ننسى أنه قد أصدر قبل خمس سنوات مذكراته بعنوان «مذكرات وذكريات من حياتي». صدرت قبل سنتين طبعتها الثانية وبعد ذلك كتابه الوثائقي «رسائل لها تاريخ.. من شخصيات بارزة في المجتمع» مع أن لديه ديوان شعر بعنوان «خفقان قلب» لم ينشره بعد.

بواسطة : admin
 0  0  3.9K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 04:05 مساءً الإثنين 7 أكتوبر 2024.