الصحافة الحقيقية بالاحترام والبقاء هي التي تخدم اكبر مجموعة ممكنة من المواطنين.. بل هي التي تخدم المواطنين جميعا يتساوى عندها البعيد منهم والقريب على اساس من العدالة والمساواة والانصاف..
والصحافة الحقيقية بالاحترام والبقاء هي الصحافة التي تكون صورة للمجتمع الذي تعيش فيه والتي تحاول ان تنمي المعاني الكريمة في الأمة وان تبعث فيها روح القوة وروح الأمل والعمل وان تحارب الرذائل الاجتماعية بجميع اشكالها وألوانها وان تكون واقعية في أهدافها ومراميها.. فلا تعتمد على الخيال.. فالخيال لا بأس أن يعيش فيه بعض الأدباء والشعراء.. اما ان تعيش فيه الأمة كلها فهذا مالا يصح ان يكون نهجا لصحيفة تريد ان تحقق اهداف الصحافة بالمعنى الصحيح..
والصحافة الحقيقية بالاحترام والبقاء هي الصحافة التي تحترم نفسها وتحترم قراءها.. وتحترم اذواق المواطنين فلا تخدعهم ولا تدلس عليهم.. ولا تنهج اليوم نهجاً ثم تعدل عنه لانها بهذا يبلبل الأفكار وتسيء الى الامة.. وتهدم ولا تبني.. وتسيء إلى المجتمع الذي تكون فيه ثم تكون النتيجة ان يسيء اليها هذا المجتمع فينصرف وهي لا تستطيع ان تعيش لنفسها.. فلا عاش من عاش لنفسه.
والصحافة الحقيقية بالاحترام هي الصحافة التي لا تقول للأسود انه ابيض بل عليها ان تقول للأسود أنه اسود وإذا لم تستطع ان تقول هذا فإنها تستطيع السكوت، إما تصف الأسود بالبياض.. تارة ثم تصف الأبيض تارة اخرى بالسواد فهذا مالا يغتفر لأي صحيفة تنهج هذا النهج..
والصحافة الحقيقية بالاحترام والبقاء هي التي ترسم لنفسها سياسة عادلة مبنية على الحق والمنطق والعدالة والاعتدال ثم تنهج هذه السياسة فلا تخرج عنها مهما تكاثرت الإغراءات، ومهما كثرت التيارات.. أما الصحافة المادية التي تتبع من يدفع أكثر.. وتساوم على هذه التبعية.. فان هذه يجب ان يحذرها الكل حتى الذين تحطب فى حبالهم لانه قد يأتى يوم تدفع لهم جهات اخرى اكثر فينقلبون رأسا على عقب ويمدحون فى يومهم ما كانوا يذمونه فى امسهم ويحسنون ما ليس حسنا ويقبحون ما لم يكن قبيحا كل ذلك انسياقا وراء المادة ومغرياتها.
هذه بعض القواعد الهامة للصحف النظيفة الشريفة التي تستحق في نظرنا البقاء والاحترام فأين صحافتنا من هذه المعاني الكريمة..؟!
إنني لا استطيع ان أقول ان صحافتنا تخلو من هذه المعاني الكريمة كلها.. ولكنني أقول ان صحفنا تأخذ من هذه المثل.. ومنها المقل ومنها المستكثر.. ومنها ما يميل إلى اليمين بعض الميل ومنها ما يميل إلى اليسار بعض الميل.. ومنها ما هو متأرجح.. يميل تارة يمينا وتارة شمالا.. فهي تجاري الريح واتجاهاتها في الوقت الذي يفرض عليها الواجب ان تصمد أمام العواصف التي تهب عليها من جهات مختلفة.
ثم ان صحافتنا لا تزال ضعيفة ماديا وأدبيا وابدأ بصحيفة القصيم.. فان صحافتنا لا تزال تعتمد على جهود فردية.. في الوقت الذي تعتمد فيه صحافة البلاد الأخرى على شركات ومؤسسات قوية تستطيع ان تعمل الكثير للنهوض بهذه الصحف والسير بها قدماً في خدمة القراء ورفع سمعة البلاد التي تصدر منها..
ان أرباب رؤوس الأموال لا يزالون يجهلون هذه الناحية وما فيها من المصالح المادية والمعنوية والمجال الواسع الذي تستطيع رؤوس الأموال ان تبنى لها صروحاً من المجد وصروحا من الشهرة.. وصروحاً من المعاني الكريمة التي يتطلع إليها كل ذي نفس كبيرة تتوق إلى الرقي والرفعة وخدمة البلاد وشعباً لا في المجال الداخلي فحسب.. بل وفي المجال الخارجي أيضاً..
فأين أغنياؤنا ومفكرونا القادرون من هذا المجال الواسع المفيد الذي سوف يدر عليهم كل خير ويبني لهم كثيراً من المعاني الكريمة التي يشتاقها كل شهم كريم..
هذه كلمات.. فيها بعض الإشارات الخاطفة عن الصحافة.. ما لها وما عليها.. ونحن نتمنى اليوم القريب الذي نرى فيه صحافة بلادنا تعبر عن رأي العربي الحر الابي الذي يقول ما يعتقد.. ولا يحابي ولا يجامل في سبيل ما يعتقد حقق الله آمال هذه الأمة الكريمة ووفقها لاستعادة أمجادها التي كل امكانياتها متوفرة لدينا.. وجميع خاماتها موجودة في اراضينا.. وإنما تحتاج إلى صقل وتصفية.. وتوجيه..
القصيم عدد50 تاريخ 3/6/80.