محمد القشعمي.
ليلة البارحة تأخرت عن موعد نومي المعتاد فجفاني النوم بعض الوقت، وبمجرد أن غفوت وإذا بي أرى شخصين يتناقشان بصوت خافت ما لبث أن ارتفع فعرفتهما وإذا هما الأستاذان أحمد عبيد «1334 - 1414»، وعبدالكريم الجهيمان «1330 - 1433ه» - رحمهما الله- فتنصت لما يتناقشان به وإذا أحمد عبيد يقول للجهيمان: أنا أحق منك بالتحدث باسم الشعب، لأنني قد بدأت بالكتابة باسمه منذ عام 1378ه/ 1958م بعد توقف مجلتي «الرياض» التي كانت تصدر بمدينة جدة عام 73 - 1374ه/ 1954م وبعد صدور اثني عشر عدداً توقفت، فذهبت إلى مصر لأصدر مجلة «صرخة العرب» بالقاهرة طوال عام 1375ه/ 1955م ولم يكتب لها الاستمرار فعدت لأكتب في صحف المملكة المتاحة تحت عنوان «رأي الشعب» بدءاً بجريدة الندوة ثم جريدة حراء وجريدة البلاد. وقد انتقدت الرقابة على المطبوعات بجريدة الندوة العدد 324 في 18/ 8/ 1378ه قائلاً: «..إذا كانت الرقابة المباشرة على ما يكتبه الكتاب في الصحف والمجلات والكتب قد ألغيت.. فإن الرقابة الفعلية قائمة في نظام المطبوعات.. وليس من الجائز ألا يكون للمطبوعات نظام.. ولكن إعادة النظر في هذا النظام أمر تتطلبه دواعي «الحرية» التي منحت لأقلام الكاتبين وتوجبه عدالة التوجيه التي يتبناها جلالة الملك وحكومته الرشيدة.. إلخ».
استدعيت من قبل المسؤولين لأسأل عمن فوضني بالتحدث باسم الشعب، فتوقفت كتابتي بعض الوقت لأعود مرة أخرى للكتابة بعد إضافة كلمة «من» ليكون العنوان الجديد هو «رأي من الشعب» ومع ذلك لم أسلم من ملاحقة الرقيب وكثرة ملاحظاته لأوقف مرة أخرى عن الكتابة، بل وتجري ملاحقتي واستجوابي بدعوى أن لساني سليط وقلمي حاد ينقصه الحلم والتؤدة والتروي، ويطلب مني تخفيف حدة النقد وتلطيف العبارات بما يتناسب والمقام. وأخيراً أحالوني للمحاكمة، ولولا وقوف بعض الكتاب والأصدقاء إلى جانبي لما غفر لي ما اتهمت به، وأذكر منهم صديقي عزيز ضياء رئيس تحرير جريدة عكاظ الذي كتب في العدد الثامن منها الصادر في 29 من شهر محرم 1380ه يدافع عني قائلاً: «.. وعلى هذا فإن لنا أن نقول إن الوحيد الذي له أن يقضي بحكم - أي حكم - على السيد أحمد عبيد في قضيته هو حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل رئيس مجلس الوزراء، وسمو الأمير فيصل، كما لا ينبغي أن نكرر القول هو الذي منح الصحافة حريتها وهو الذي فتح النوافذ والأبواب وسمح لهذه النخبة من رجال الفكر والأدب وحملة الأقلام أن تتمتع بالنور، وكثير من النور هو الذي جعل مفهوم الحرية في هذه البلاد أوسع مفهوماً..». فعدت للكتابة مرة أخرى فقال الجهيمان: وأنا أيضاً بدأت أكتب ما رأيت مناسبة تحقيقه للشعب من خدمات وأمور واجبة التحقيق، مع نقد لما أراه شاذاً ويجب تصحيحه، وكذا المطالبة بسرعة حركة التنمية، وتطور الحياة تتطلب مواكبتها بتحديث الخدمات الصحية وتوفير متطلبات التعليم الحديث ومكافحة الفقر والجهل والمرض، بدءاً بأول جريدة أصدرتها بالمنطقة الشرقية من المملكة «أخبار الظهران» في عام 1374ه/ 1955م وجمعت بعض تلك المقالات بكتاب أصدرته بعد توقف الجريدة سميته «دخان ولهب»، ثم عدت للرياض للعمل بوزارة المعارف ومواصلة الكتابة بجريدة صديقي الشيخ حمد الجاسر «اليمامة» مواصلاً ما بدأته من مقالات لا تنقصها الحرارة رغم ما لقيته من لوم ومحاسبة على ما سبق أثناء صدور «أخبار الظهران» سبب في النهاية إيقافها عن الصدور وإيقافي كرئيس لتحريرها 21 يوماً، ومع ذلك فقد واصلت الكتابة بدءاً بالمقال الذي أثار انتباه الجميع وهو «نصفنا الآخر» والمطالب به بفتح مدارس لتعليم البنات. والذي سبق نشره بأخبار الظهران عام 1375ه أعدت نشره باليمامة في 21/ 11/ 1377ه، وأصدرت كتاباً ضمنته بعض ما نشر باليمامة أسميته «أين الطريق؟»، ولم أكتف بالكتابة في اليمامة والأضواء والمنهل، بل واصلت الكتابة بجريدة «القصيم» عند صدورها منتصف عام 1379ه/ 1959م فجمعت ما يناسب المقام بكتاب أسميته «آراء فرد من الشعب»، وهذه الكتب الثلاثة صدرت عام 1381ه/ 1961م.
فيا ترى أينا أحق بالتحدث باسم الشعب..؟ فقلت لهما: إن الجميع يرى أنكما ممن فتح الباب وناضل من أجل توعية الشعب بحقوقه وما له وما عليه، فأنتما فرسا رهان فكل منكما له الحق ولا يمكن أن أميز أحدكما عن الآخر.. ولكن سأترك الحكم للقارئ ليشاركني الرأي. فاستحسنا رأيي، فنمت بقية ليلي بارتياح.
المصدر: مجلة اليمامة تاريخ: 28-2-2019م