• ×

08:35 مساءً , الجمعة 26 أبريل 2024

الجهيمان والاتجاه المهاكس

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
أحمد العرفج

المكان: معهد عنيزة العلمي.
الزمان: عام 1405هـ.
كان الفتى حديث عهد بمصاحبة الكتاب، والصدفة وحدها قادته الى محاورة طريفة بين ذي لحية ومحلوقها للأستاذ الكبير عبدالكريم الجهيمان التميمي النجدي.
قبض الفتي المحاورة في جيبه خشية من الأعين التي تزرع المكان، الممتلئ بالأحداق التي تتصور ان مجرد قراءة المحاورة خروج على تعاليم القوم !!
كانت محاورة قبل ما يزيد على ستين عاما في نجد في مجتمع يسير على حد قول الفرزدق:



اولئك آبائي فجئني بمثلهم
اذا جمعتنا يا جرير المجامعُ!!؟


اخذت المحاورة في غفلة من الوجوه والعابرين والمتدخلين فيما لا يعنيهم شرعت بقراءتها أقفز بين السطور وعندما أشرفت على آخر سطر أدركت أن بين اللون الابيض واللون الاسود عشرات الالوان التي كان القوم بقصد او بغيره يحجبونها عن فضولنا بحجة خاطبوا الناس بما يعرفون !!.
لله أنت، يا من عبدت الكريم، بحسن الخلق، وبحسن التأليف وبحسن الأفق وحسن المحيا وان شاء الله حسن الممات بعد عمر عريض بالمعرفة وطويل بالمنفعة!!
طلعت على القوم بالاتجاه المعاكس قبل ان يدركهم التعصب والتشنج ثم كتبت الاساطير فأبصرنا ثروتنا الشعبية تركة معطلة، ومالا سائبا، وعطاء غير محدود ثم واصلت مستبقا اقرانك فكنت تكتب كفرد من الشعب يرى الحق حقا، فيحاول اتباعه، ويشاهد الباطل باطلا ويحاول اجتنابه,, ثم ارتكنت الى صمتك فكان أبلغ من حديث غيرك!!
كثير علينا أنت أيها الشجاع كبير على هذا الزمن المشلول,, لذا ارتددت الى الداخل,, شيمتك الصبر والشجاعة!! حاولت ان اتكلم عنك، ولكن كلماتي فقاقيع تذوب في بحرك، ليتني اجرؤ على التمرد مثلك، ليتني اقول مع الشاعر النجفي، الذي يصف حاله وكأنه يتكلم عنك، في شجاعتك وقوتك، وتمردك,, حين قال:



اذا سرتُ سيرا رمتُ في الحال غيره
كأني بسيري حائرٌ متردد
تواثب نفسي عن سواها، ونفسها
ويحلو لها حتى عليها التمردُ
عليّ تمرد,,!! بل على النفس والورى
لتبقى على طول المدى تتجدد


وها أنت أيها المحاور تتجدد في فكرك، وفي قلمك، وفي شجاعتك,, وفي,,,,.
دائما تنطلق من حيث انتهى الآخرون، لأن المناطق، التي يقل فيها الاوكسجين لا يدخلها إلا المحاربون الكبار، وأنت أولهم!!.
لا يهمني ان أسيح في مؤلفاتك، فهذا دونه شرك القتاد فمثلي جالس على اليم يخشى من الأمواج التي تقتلع الصغار والمتطفلين والمؤلفة أقلامهم ولكن عندما صدّرت المحاورة الطريفة بقولك:



خذ من علومي ولا تنظر الى عملي
ينفعك علمي ولا يضررك اصراري
وان مررت بأشجار لها ثمر
فأجن الثمار وخل العود للنار


من هنا كان الأفق واسعا وكان أبو الأسود الدؤلي أول المخنوقين، حين قال:



يا من يعلم بالمعارف غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم!!؟


عبدالكريم الجهيمان اسم في تاريخ الأدب السعودي يشكل منعطفا بكل المقاييس، ويتخذ زاوية حادة تصل الى 180 درجة من الخبرة والابداع والرؤية والوعي,, فأهلا بفكره وعطائه الذي يحتاج منا الى صلة وتواصل وتلاحم، بعد هذه القطيعة القاسية من لدن كل هذه الوجوه التي تجالس الادب، وتسامر لياليه المنيرة!!
بقي في الذاكرة شكرا الى الدبيسي محمد الذي خفف من إحساسنا بالذنب حين تبطن هذه الفكرة وشرع في ذرع أطوالها لتخرج علاقة وفاء، وصلة رحم علمية، في زمن صار فيه المجد للأقزام!!.
شكرا لهذا الكبير الجهيمان على ما اعطى وأنفق من علم ومن مال ولئن قال صديقنا القصيبي بأن ابنه سهيلا ابن للجهيمان فقد أخفق في ذلك,,! فالجهيمان أب لي,, ولكل الأيتام معرفيا من أمثالي!!.

الجزيرة: الخميس 15 ,محرم 1421 Thursday 20th April,2000



بواسطة : admin
 0  0  1.5K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 08:35 مساءً الجمعة 26 أبريل 2024.